قال: أخبرنا حماد بن مَسْعَدَة عن ابن عجلان عن عون عن عبد الله قال: كان جرير إذا أقام سلعة، بَصَّر عُيُوبَها، ثم خَيَّرَه ثم قال: إن شئت فخذ وإن شئتَ فاترك. فقيل له: يرحمك الله، إنك إذا فعلتَ هذا لم ينفذ لك بيع. قال: إنا بايعنا رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، على النصيحة لأهل الإسلام.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: حدّثنا إسرائيل بن يونس عن زياد بن علاقة عن جرير قال: بايعتُ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فاشترط عليّ النصح لكل مسلم.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال: ما حَجَبَنِي النبي، - صلى الله عليه وسلم -، عنه منذ أسلمت، ولا رآني قط إلا تبسّم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: لما قدم جرير إلى المدينة وأسلم، مكثَ أيامًا يغدو ويروح في أصحابه على رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فيسلمون ثم يقومون، حتى يشير إليهم رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أن اجلسوا، ثم قال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، يومًا لجرير: ما فعل ذو الخَلَصَة (١)؟ قال: هو على حاله، قال: قد بقى، والله مريح منه إن شاء الله.
ثم بعث رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، جريرًا إلى هدم ذي الخلصة، وعقد له لواءً، فخرج في قومه وهم زهاء مائتين، فما أطال الغيبة حتى رجع، فقال: هدمته؟ فقال: نعم والذي بعثك بالحق، وأخذتُ ما عليه، وأحرقته بالنار، فتركته كما يسوء من يهوى هَوَاه، وما صَدَّنا عنه أحد: وذلك أنا لما أشرفنا عليه أصلتنا السيوف فما ذَبَّنَا أحدٌ ولا حَالَ دونه.
قال محمد بن عمر: قال عبد الحميد بن جعفر: فذكرتُ ذلك لرجل من ولد جرير بن عبد الله فقال: كنتُ أسمع من أبي وغيره أن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، قال يومًا لجرير: يا جرير، ألا تريحني من ذي الخلصة؟ قلت: بَلَى! والله يا رسول الله، فهو مما كنت أحب وأتمنى أن لا يهدمه غيري. قال: فاخرج إليه في قومك حتى تهدمه إن شاء الله.
(١) لدى ابن الكلبي في كتاب الأصنام ص ٣٤ "أن ذا الخلصة كان مروة بيضاء منقوش عليها كهيئة التاج وكان له بيت بين مكة والمدينة فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وأسلمت العرب وجه إليه رسول الله من هدم بنيان ذي الخلصة وأضرم فيه النار فاحترق".