وكتب مروان بن الحَكَم إلى معاوية: إني لست آمن أن يكون حسين مُرْصِدًا للفتنة، وأظن يومكم من حسين طويلًا.
فكتب معاوية إلى الحسين: إن من أعطى الله صَفَقَة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد أنبِئْتُ أن قومًا من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهل العراق مَنْ قد جَرّبْت، قد أفسدوا على أبيك، وأخيك، فاتق الله، واذكر الميثاق فإنك متى تَكِدْني أكِدْك.
فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، والحسنات لَا يَهْدي لها إلا الله وما أردتُ لك محاربة ولا عليك خلافًا، وما أظن لي عند الله عذرًا في ترك جهادك، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر الأمة.
فقال معاوية: إِنْ أَثَرْنا بأبي عبد الله إلا أسدًا.
وكتب إليه معاوية أيضًا في بعض ما بلغه عنه: إني لأظن أن في رأسك نزوة فوددت أني أدركتها فأغفرها لك.
قال: أخبرنا عليّ بن محمد، عن جويرية بن أسماء، عن مسافع بن شيبة، قال: لقي الحسين معاوية بمكة عند الرَّدْم (١)، فأخذ بخطام راحلته فأناخ به، ثم سَارّه حسين طويلًا وانصرف، فزجر معاوية راحلته فقال له يزيد: لا يزال رجل قد عرض لك فأناخ بك، قال: دعه فلعلّه يطلبها من غيري فلا يُسَوّغْه فيقتله (٢).
رجع الحديث إلى الأول:
قالوا: ولما حُضِرَ معاوية، دعا يزيد بن معاوية فأوصاه بما أوصاه به وقال: انظر حسين بن عليّ بن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أحب الناس إلى الناس فصِلْ رَحِمَه، وارفق به يصلح لك أمره، فإن يك منه شيء فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه (٣).
(١) موضع بمكة يقال له ردم بني جمح، كانت فيه حرب بينهم وبين محارب بن فهر فقتلت بنو محارب بني جمح أشد القتال، فسمي ذلك الموضع الردم، بما رُدِم عليه من القتلى يومئذ (البكرى).
(٢) أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٢٩٥.
(٣) أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٢٩٥.