من المسلمين، وخير الأمان أمان الله، ولم يؤمن بالله من لم يَخَفْه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده.
وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يخبره بخروج الحسين إلى مكة. ونحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فَمنّوه الخلافة، وعندك منهم خِبْرة وتجربة. فإن كان فَعَلَ فقد قَطَعَ واشِجَ القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة.
وكتَب بهذه الأبيات إليه وإلى مَنْ بمكة والمدينة من قريش:
يا أيها الراكبُ الغادِي لِطَيَّتِه … على عُذَافِرَةٍ في سيرها قُحَمُ
أبلغ قريشًا على نَأيْ المزار بها … بيني وبين حسين اللهُ والرَّحِمُ
وموقف بفناء البيت أنْشُدُهُ … عهدُ الإله وما تُوْفَى بِهِ الذّمَمُ
عَنّيتُمُ (١) قَوْمَكم فخرًا بأُمِّكُمُ … أمٌّ لَعَمْرِي حَصَانٌ عَفّةٌ كَرَمُ
هي التي لا يُدَانِي فَضْلَها أحدُ … بِنْتُ الرسولِ وخيرُ النّاسِ قد عَلِمُوا
وفضلها لَكُمُ فَضْلٌ وغَيرُكُمُ … من قَومكمْ لَهُمُ في فَضْلها قِسَمُ
إنّي لأعَلَمُ أوْ ظَنًّا كَعَالِمِهِ … والظنّ يصْدُقُ أحيانًا فينْتَظِمُ
أنْ سَوف يتْرُكُكُم ما تَدُّعونَ بها … قَتْلَى تَهادَاكُمُ العِقْبانُ والرّخَمُ
يا قومنا لا تُشِبُّوا الحربَ إذ سكنت … وَمَسِّكوا بحال السّلْمِ واعتصموا
قد غَرّتِ الحربُ من قد كان قَبلَكُم … من القرونِ وقد بادتْ بها الأُمَمُ
فأنْصِفوا قومكم لا تَهْلَكوا بَذَخًا … فرُبَّ ذي بَذَخٍ زَلَّتْ به القَدَمُ
قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: إني أرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه، ولست أَدَع النصيحة له فيما يجمع الله به الأُلْفَة ويطْفِئ به النّائِرَة (٢).
ودخل عبد الله بن عباس على الحسين: فكلَّمه ليلًا طويلًا (٣) وقال: أنشدك
(١) لدى الطبري ج ٨ ص ٢٠٢: "عنَّفتم، ولدى المزي وهو ينقل عن ابن سعد "غنيتم".
(٢) لدى المزي ج ٦ ص ٤٢٠ "الثائرة" ونَأَرَتْ نائِرةٌ في الناس - نَأْرًا: هاجت هائجة.
(٣) كذا في (ح) ومثله لدى المزي ج ٦ ص ٤٢٠ وهو ينقل عن ابن سعد. ورواية ث "فكلمه طويلًا" ومثلها في المطبوع.