إسماعيل بن يسار، قال: لقى الفرزدق حسينًا بالصّفَاح فسلم عليه، فوصله بأربعمائة دينار، فقالوا: يا أبا عبد الله، تعطي شاعرًا مُبْتَهِرًا قال: إن خير ما أمضيت من مالك ما وَقَيْتَ به عرضك، والفرزدق شاعر لا يُؤْمَن.
فقال قوم: لإسماعيل: وما عسى أن يقول في الحسين، ومكانه مكانه، وأبوه وأمه مَن قد علمت، قال: اسكتوا فإن الشاعر ملعون، إن لم يقل في أبيه وأمه قال في نفسه.
قال: أخبرنا عليّ بن محمد، عن حُبَاب (١) بن موسى، عن الكلبي، عن بحير بن شداد الأسدي، قال: مر بنا الحسين بالثعْلَبِيّة (٢) فخرجت إليه مع أخي، فإذا عليه جُبَّة صفراء لها جيب في صدرها، فقال له أخي: إني أخاف عليك، فضرب بالسوط على عيبة قد حَقَبَها وقال: هذه كتب وجوه أهل المصر.
قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد الرِّشْك، قال: حدثني مَنْ شَافَهَ الحسين، قال: رأيت أبنية مضروبة بفلاة من الأرض فقلت: لِمَنْ هذه؟ قالوا: هذه لحسين قال: فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن، قال: والدموع تسيل على خدّيه ولحيته، قال: قلت: بأبي وأمي يابن رسول الله، ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد؟ قال: هذه كتب أهل الكوفة إليّ ولا أراهم إلّا قاتليّ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلّا انتهكوها فيسلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ من فَرَمِ الأَمة - يعني مقنعتها.
قالوا: وقد كان الحسين قدّم مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة المرادي، وينظر إلى اجتماع الناس عليه ويكتب إليه بِخَبَرِهم، فقدم مسلم بن عقيل الكوفة مستخفيًا، وأتته الشيعة، فأخذ بيعتهم، وكتب إلى حسين بن علي: إني قدمت الكوفة فبايعني منهم إلى أن كتبت إليك
(١) كذا في الأصلين، وتحت حاء الكلمة علامة الإهمال للتأكيد. وفوقها كلمة (صح) في نسخة المحمودية. وفي المطبوع "جناب".
(٢) من منازل طريق مكة من الكوفة.