أحاطت به الرجّالة، فما رأينا مكثورًا قط أربط جأشًا منه، إنْ كَان ليقاتلهم قتال الفارس الشجاع، وإنْ كان ليشدّ عليهم فينكشفون عنه انكشاف المِعْزَى شَدّ فيها الأسَدُ، فمكث مَلِيًا مِنَ النّهَار والناس يتدافعونه ويكرهون الإقدام عليه، فصاح بهم شِمْر بن ذي الجَوْشَن: ثكلتكم أمهاتُكم ماذا تنتظرون به؟ أقْدِمُوا عليه، فكان أول من انتهى إليه، زُرْعَة بن شَرِيك التميمي فضرب كتفه اليسرى، وضربه حسين على عاتقه فصرعه، وبرز له سِنَان بن أنس النخَعِي فطعنه في تَرقُوَتهِ، ثم انتزع الرمح فطعنه في بَوَانِي (١) صدره، فخرّ الحسين صريعًا، ثم نزل إليه ليحتز رأسه ونزل معه خَوْلِي بن يزيد الأصبُحِي فاحتز رأسه (٢).
ثم أتى به عبيد الله بن زياد فقال: -
أوقِرْ رِكَابِي فِضّةً وذَهَبَا … أنا قتلتُ المَلِكَ المُحَجَّبَا
قتلتُ خيرَ الناس أُمًّا وأَبَا … وخيرهم إذ يُنْسَبُون نَسَبَا
قال: فلم يعطه عبيد الله شيئًا. قال: ووجدوا بالحسين ثلاثًا وثلاثين جراحة، ووجدوا في ثوبه مائة وبضعة عشر خَرْقًا من السهام وأثر الضرب، وقتل يوم الجمعة يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين، وله يومئذ ست وخمسون سنة وخمسة أشهر.
وكان جعفر بن محمد يقول: قتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقتل مع الحسين، اثنان وسبعون رجلًا، وقتل من أصحاب عمر بن سعد، ثمانية وثمانون رجلًا. وقتل مع الحسين بن علي بن أبي طالب (٤) - رضي الله عنه -: -
- الحسين بن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قتله سنان بن أنس النخعي، وأجهز عليه وحَزّ رأسه - الملعون - خَوْلي بن يزيد الأصبحي.
(١) البواني: أضلاع الصدر.
(٢) الطبري ج ٥ ص ٤٥٠ - ٤٥٣، والذهبي في تاريخ الإسلام حوادث سنة ٦١ هـ نقلًا عن ابن سعد.
(٣) الطبري ج ٥ ص ٤٠٠، ٤٥٣، ٤٥٤، وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٠٩، ٣١٨.
(٤) ح "وقتل مع الحسين من أهل بيته".