عليكم بتقوى الله والجدّ في أمره، وإيّاكم والفشل والتنازعَ والاختلاف، اذْعنوا للموت فوالله ما من مَفَرّ ولا مَهْرَب، والله لأن يُقْتل الرجل مقبلًا محتسبًا خير من أن يُقْتل مدبرًا فيؤخذ برقبته، ولا تظوا أنّ عند القوم بُقْيا فابْذلوا لهم أنفسكم فإنّهم يكرهون الموت كما تكرهونه.
حدّثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني إسحاق بن يحيَى بن طلحة عن عيسى بن طلحة قال: قلتُ لعبد الله بن مُطيع كيف نجوتَ يوم الحرّة وقد رأيت ما رأيتَ من غلبة أهل الشأم؟ فقال عبد الله: كنّا نقول لو أقاموا شهرًا ما قتلوا منّا شيئًا، فلمّا صُنع بنا ما صُنع وأدخلهم علينا وولّى الناس ذكرتُ قول الحارث بن هشام:
وعلمتُ أنى إنْ أقاتلْ واحدًا … أُقْتَلْ ولا يَضْرُرْ عدوّي مشهدي
فانكشفتُ فتواريتُ ثمّ لحقتُ بابن الزبير بعدُ فكنتُ أعجب كلّ العجب أنّ ابن الزبير لم يَصِلوا إليه ثلاثة أشهر وقد أخذوا عليه بالمضايق ونصبوا المنجنيق وفعلوا به الأفاعيل، ولم يكن مع ابن الزبير أحد يقاتل له حِفاظًا إلّا نُفير يسير وقوم آخرون من الخوارج. وكان معنا يوم الحرةّ ألفا رجل كلّهم ذو حفاظ فما استطعنا أن نحبسهم يومًا إلى الليل.
حدّثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر، عن إسحاق بن يحيَى قال: سمعتُ عيسى بن طلحة يقول: ذكر عبد الملك بن مروان عبد الله بن مطيع فقال: نجا من مسلم بن عُقْبَة يوم الحرّة ثمّ لحق ابن الزبير بمكّة فنجا، ولحق بالعراق، قد كثّر علينا في كلّ وجه ولكنّ من رأيى الصفح عنه وعن غيره من قومي، إنّما أقتل بهم نفسي.
حدّثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني مُصْعَب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان عبد الله بن مطيع مع عبد الله بن الزبير في أمره كلّه فلمّا صدر الناس من سنة أربعٍ وستّين ودخلت سنة خمسٍ وستّين بايع أهل مكّة لعبد الله بن الزبير فكان أسرع الناس إلى بيعته عبد الله بن مطيع وعبد الله بن صَفْوان والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وعُبيد بن عُمير، وبايعه كلّ من كان حاضرًا من أهل الآفاق فولّى المدينة المنذر بن الزبير، وولّى الكوفة عبد الله بن مطيع، وولّى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة.