فشهدوا، فقال معاوية بن أبي سفيان: أخْرِجوهم إلى عذراء فاقْتلوهم هنالك. قال فحُملوا إليها. فقال حجر: ما هذه القرية؟ قالوا: عذراء. قال: الحمد لله، أما والله إنى لأوّل مسلم نَبَّح كلابها في سبيل الله، ثمّ أُتى بى اليوم إليها مصفودًا (١). ودُفِعَ كلّ رجل منهم إلى رجل من أهل الشأم ليقتله، ودُفع حجر إلى رجل من حِمْيرَ فقدّمه ليقتله فقال: يا هؤلاء دَعُونى أصلّى ركعتين. فتركوه فتوضّأ وصلّى ركعتين فطوّل فيهما فقيل له: طَوّلتَ، أجَزِعْتَ؟ فانصرف فقال: ما توضّأتُ قطّ إلّا صلّيتُ، وما صلّيتُ صلاة قطّ أخفّ من هذه، ولئن جزعتُ لقد رأيتُ سيفًا مشهورًا وكفنًا منشورًا وقبرًا محفورًا.
وكانت عشائرهم جاءوا بالأكفان وحفروا لهم القبور، ويقال: بل معاوية الذي حفر لهم القبور وبعث إليهم بالأكفان. وقال حجر: اللهمّ إنّا نستعديك على أمّتنا فإنّ أهل العراق شهدوا علينا وإنّ أهل الشأم قتلونا. قال: فقيل لحجر: مُدّ عنقك، فقال: إنّ ذاك لدم ما كنت لأعين عليه. فقُدّم فضُربت عنقه.
وكان معاوية قد بعث رجلًا من بنى سلامان بن سعد يُقال له هُدْبة بن فَيّاض فقتلهم، وكان أعور، فنظر إليه رجل منهم من خَثْعَم فقال: إن صدقَتِ الطيرُ قُتل نصفنا ونجا نصفنا. قال: فلمّا قُتل سبعة أردف معاوية برسول بعافيتهم جميعًا، فقُتل سبعةٌ ونجا ستّة، أو قتل ستّة ونجا سبعة. قال: وكانوا ثلاثة عشر رجلًا.
وقدم عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على معاوية برسالة عائشة، وقد قُتلوا، فقال: يا أمير المؤمنين أين عَزَبَ عنكَ حِلْمُ أبي سفيان؟ فقال: غَيْبَةُ مثلك عنّى من قومى.
وقد كانت هند بنت زيد بن مخرّبة الأنصاريّة، وكانت شيعيّة، قالت حين سُيّر بحجر إلى معاوية:
تَرَفّعْ أيّهَا الْقَمَرُ المُنِيرُ … تَرَفّعْ هل ترى حُجْرًا يَسيرُ
يَسِيرُ إلى مُعاوِيَةَ بنِ حرْبٍ … ليَقْتُلَهُ كما زَعَمَ الخَبِيرُ
(١) مصفودا: مقيدا.