فَكَيْفَ الحَيَاةُ لِفَقْدِ الحَبيبِ … وَزَيْنِ المَعَاشِرِ في المَشْهَدِ؟
فَلَيْتَ المماتَ لَنَا كُلِّنا … وكُنّا جَميعًا مع المُهْتَدِى!
قال الواقديّ: وقال أبو بكر الصّدّيق أيضًا (١):
لَمّا رَأيتُ نَبِيّنَا مُتجَدّلًا … ضَاقَتْ عَلَيّ بِعَرْضِهِنّ الدّورُ
وارْتعتُ رَوْعةَ مُستهامٍ والِهٍ … وَالعَظْمُ مِنّى وَاهِنٌ مَكسورُ
أعَتيقُ وَيحكَ! إنّ حُبّك قد ثَوَى … وَبَقِيتَ مُنفرِدًا وأنْتَ حَسِيرُ
يا ليْتنى من قبْلِ مَهْلَكِ صاحبى … غُيّبْتُ في جَدَثٍ عليّ صُخُورُ!
فَلتَحْدُثَنّ بَدائعٌ من بَعدِهِ، … تعْيَا بِهِنّ جَوَانِحٌ وَصُدُورُ
قال الواقديّ: وقال أبو بكر أيضًا:
باتَتْ تَأوّبُنى هُمُومٌ حشد … مثلُ الصّخورِ فأمستْ هدّتِ الجسدا
يا لَيْتَنى حَيثُ نُبّئْتُ الغَدَاةَ بهِ … قالوا الرّسولُ قَدَ امسَى ميّتًا فُقِدا
لَيْتَ القِيامَةَ قامَتْ بعدَ مَهْلَكِهِ، … وَلا نَرَى بَعدَهُ مالًا ولا وَلَدا!
وَالله أُثْنى (٢) عَلى شىْءٍ فُجِعْتُ بِهِ … مِنَ البَريّةِ حتَّى أدخُلَ اللّحَدا
كَمْ لىَ بَعْدَكَ من هَمٍّ يُنَصّبُنى … إذا تَذكّرتُ أنّى لا أرَاكَ أبَدا!
كان المصَفّاءَ في الأخلاقِ قد علموا، … وفى العَفافِ فَلَمْ نَعْدِلْ بهِ أحَدا
نَفسى فداؤك من مَيْتٍ وَمن بَدَنٍ! … ما أطيَبَ الذّكرَ والأخلاقَ والجسدا!
وأنشدنا هشام بن محمّد الكلبيّ عن عثمان بن عبد الملك أنّ عمران بن بلال بن عبد الله بن أنيس قال سمعتها من مشيختنا قال: قال عبد الله بن أنيس يرثى النّبيّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (٣):
تَطَاوَلَ لَيْلى واعتَرَتْنى القَوَارِعُ … وَخَطْبٌ جَلِيلٌ للْبَلِيّةِ جَامِعُ!
غَدَاة نَعَى النَّاعِى إلينا مُحَمّدا، … وتِلك الّتى تَسْتَكُّ مِنْها المسَامَعُ
فلو رَدّ مَيْتًا قَتلُ نَفْسِى قَتَلْتُها! … ولَكِنَّهُ لا يَدْفَعُ الموتَ دَافِعُ
(١) راجع النويري ج ١٨ ص ٤٠٠.
(٢) ت، ث "والله آسى".
(٣) راجع النويري ج ١٨ ص ٤٠١.