أمسى نساؤكَ عَطَّلْنَ البُيوتَ فمَا … يَضرِبنَ خَلْفَ قَفَا سترٍ بأوْتادِ
مثلَ الرّوَاهِبِ يَلبَسنَ المسوحَ، وقد … أيقنّ بالبُؤسِ بعدَ النّعمةِ البادى!
وقال أبو عمرو: قال حسّان يرثيه، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (١):
مَا بالُ عَينِكَ لا تَنَامُ! كَأنّما … كُحِلَتْ مَآقِيها بكُحلِ الأرْمَدِ؟
جَزَعًا على المَهْدِيّ أصبَحَ ثَاوِيًا، … يَا خَيرَ مَن وَطئَ الحصَىَ لا تَبعَدِ
يَا وَيْحَ أنْصَارِ النّبيّ وَرَهْطِهِ! … بَعدَ المغَيَّبِ في سَوَاءِ المُلْحَدِ
جَنْبى يَقِيكَ التّرْبَ لَهْفى لَيْتَنى … غُيِّيْتُ قَبلك في بَقِيع الغَرْقَدِ (٢)!
يا بِكْرَ آمِنَةَ المُبارَكَ ذِكْرُهُ، … وَلَدَتْهُ مُحْصَنَةٌ بسَعْدِ الأسعُدِ
نُورًا أضَاءَ عَلى البَرِيّةِ كُلّهَا، … مَنْ يُهْدَ للنّورِ المبارَكِ يَهتَدِ!
أَأُقيمُ بَعْدَكَ بالمدينَةِ بيْنَهُمْ؟ … يَا لَهْفَ نَفْسى لَيْتَنى لم أُولَدِ!
بأبى وأُمّى مَنْ شَهِدْتُ وَفَاتَهُ … في يومِ الاثنَينِ النّبيّ المهْتَدى!
فَظَلِلْتُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مُتَلَدّدًا، … يَا لَيْتَنى صُبّحْتُ سُمّ الأسْوَدِ!
أو حَلّ أمرُ الله فينا عاجِلًا … فما رَوْحَةٍ منْ يوْمِنَا أوْ من غَدِ!
فَتَقُومُ ساعَتُنَا فَنَلْقَى سَيّدًا … مَحْضًا مَضَارِبُهُ كَريمَ المحْتِدِ
يا رَبّ! فَاجْمَعْنَا مَعًا ونَبِيَّنَا … في جَنّةٍ تفقى (٣) عُيُونَ الحُسّدِ
في جَنّةِ الفِرْدَوْسِ، واكتُبها لنَا … يا ذا الجَلالِ وذا العُلا وَالسّودَدِ!
واللهِ اسمَعُ مَا حَيِيتُ بهالِكٍ … إلّا بَكَيْتُ عَلى النّبيّ مُحَمّدِ
ضَاقَتْ بالأنْصارِ البلادُ، فأصبحُوا … سُودًا وُجُوهُهُمُ كَلَوْنِ الإثْمِدِ
ولَقَدْ ولَدْنَاهُ فِينَا قَبْرُهُ، … وَفُضُولُ نِعمَتِهِ بنَا لا تُجْحَدِ
وَالله أهْدَاهُ لَنَا وهَدَى بِه … أنْصَارَهُ في كُلّ سَاعَةِ مَشْهَدِ (٤)
(١) انظر: ابن هشام ج ٤ ص ٦٦٩.
(٢) في الأصول: كنتُ المغَيَّبَ في الضريح الملحد. وقد اتبعت ما ورد بسيرة ابن هشام ج ٤ ص ٦٦٩ والديوان ص ٢٠٨ وهي أفضل من رواية الكتاب.
(٣) ت، ث "تنبى" وكذا الديوان ص ٢٠٩. ولدى ابن هشام ج ٤ ص ٦٧٠ "تثنى" والمثبت رواية "ل" ومثلها لدى النويري ج ١٨ ص ٤٠٣. وتفقى: تقلع. وتثنى: تصرف.
(٤) كذا في ت، ث، ومثله لدى ابن هشام ج ٤ ص ٦٧٠. وفى ل "مسهد".