يَا عَيْنِ جُودِى بِدَمعٍ منكِ وَابتَدرِى! … كَمَا تَنَزَّل مَاءُ الغَيْثِ فَانثَعَبَا
أوْ فيضُ غَرْبٍ على عاديّةٍ طُوِيَتْ … في جَدْوَلٍ خَرِقٍ بالماءِ قدْ سَرِبَا
لَقَدْ أتَتْنى مِنَ الأنباءِ مُعْضِلَةٌ … أنّ ابنَ آمِنَةَ المأمُونَ قدْ ذَهَبَا
أنّ المبَارَكَ وَالمَيْمونَ في جَدَثٍ … قد ألْحَفُوهُ تُرَابَ الأرْضِ وَالحدَبا
ألَيْس أوْسَطَكُم بَيْتا وَأكرَمَكُمْ … خَالًا وَعَمًّا كَرِيمًا لَيسَ مُؤْتَشَبَا
قال: وقالت هِند بنت أُثاثة بن عبّاد بن المطّلب بن عبد مناف أخت مِسْطح ابن أُثاتة ترْثى النّبيّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (١):
أشَابَ ذُؤَابَتى وَأذَلّ رُكْنى … بُكاؤُكِ، فاطِمَ، الميْتَ الفقيدا
فَأعْطيتَ العَطَاءَ فلَمْ تُكَدِّرْ، … وَأخْدَمْتَ الوَلائِدَ وَالعَبِيدَا
وَكُنْتَ مَلاذَنَا في كلّ لِزبٍ، … إذا هَبّتْ شَآميَةٌ بَرُودَا
وَإنّكَ خيَرُ مَنْ رَكِبَ المطَايَا، … وَأكْرَمُهُمْ إذا نُسبُوا جُدُودا!
رَسُولُ اللهِ فارَقَنَا، وَكُنّا … نُرَجّى أنْ يَكُونَ لَنَا خُلُودَا
أفَاطِمَ! فَاصْبرِى فَلَقَدْ أصَابَتْ … رَزِيئَتُكِ التّهَائِمَ وَالنُّجُودَا
وَأهْلَ البرّ وَالأبْحَارِ طُرًّا، … فَلَمْ تُخْطئْ مُصيبَتُهُ وَحيدَا
وَكَانَ الخيرُ يُصْبحُ في ذُرَاهُ، … سَعِيدُ الجَدّ قَدْ وَلَدَ السُّعُودَا!
وقالت هند بنت أُثاثة أيضًا:
ألا يَا عَينِ بَكّى! لا تَمَلّى، … فقَدْ بَكَرَ النّعيُّ بمَنْ هَوِيتُ
وَقَدْ بَكَرَ النّعيُّ بخيرِ شَخْصٍ، … رَسُولِ اللهِ حَقًّا مَا حَييتُ
وَلَوْ عِشْنَا، وَنَحْن نَرَاكَ فينَا … وَأمرُ اللهِ يَتركُ، مَا بَكَيْت
فَقَدْ بَكَرَ النّعيُّ بذَاكَ عَمْدًا، … فَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَةُ مَنْ نُعيت
وَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُه وَجَلّتْ، … وَكُلَّ الجهْدِ بَعْدَكَ قدْ لَقِيت
إلى رَبّ البرِيّةِ ذَاكَ نَشْكُو، … فإنّ اللهَ يَعْلَم مَا أُتِيت
أفَاطِمَ! إنّه قد هُدّ رُكْنى، … وَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَةُ من رُزِيتُ
(١) راجع النويري ج ١٨ ص ٤٠٦.