إما أن يقولوا نعم يسمعوننا حين ندعو وينفعوننا ويضروننا، فيشهد عليهم بلغة قومهم إنهم قد كذبوا. أو يقولوا لا يسمعوننا حين ندعو ولا ينفعوننا ولا يضروننا فينفوا عن آلهتهم القدرة. وعلموا أن الحجة لإبراهيم عليه السلام في أي القولين أجابوه عليهم قائمة. فحادوا عن كلامه واجتلبوا كلاما من غير ما سألهم عنه فقالوا: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ١ ولم يكن هذا جوابا لمسألة إبراهيم عليه السلام، وأما الحيدة في سنة المسلمين فيروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وقد قدم عليه فنظر إليه يكاد يتفقا شحما، فقال: يا معاوية ما هذه الشحمة لعلها من نومة الضحى ورد الخصوم، قال له معاوية: يا أمير المؤمنين رحمك الله علمني وفهمني، ولم يكن هذا جوابا لقول عمر رضي الله عنه إنما حاد عن جوابه لعلمه بما فيه، فاجتلب كلاما غيره فأجاب به.
وأما الحيدة في كلام العرب فقول امرىء القيس:
تقول وقد مال الغبيط بنا معا ... عقرت بعيري يا امرء القيس فانزل
فقلت لهاسيري وأرخي زمامه ... ولا تبعديني من جناك المعلل٢
ولم يكن هذا جوابا لكلامها، وإنما حاد عن جوابها واجتلب كلاما غيره"،
قال: "فأقبل المأمون على بشر" فقال: "يأبي عليك عبد العزيز إلا أن تقر أن لله علما فأجبه ولا تحد عن جوابه". فقال بشر: "قد أجبته وأن معنى العلم لا يجهل وهذا جوابه ولكنه يتعنث".
قال عبد العزيز: "فقلت يا أمير المؤمنين صدق أن الله لا يجهل، ولم تكن مسألتي إياه على هذا، إنما سألته أن يقر بالعلم الذي أخبر الله تعالى عنه في كتابه وأثبته لنفسه ولم أسأله عن الجهل فينفي الجهل عن الله تعالى فليقر أن لله علما، ولينفي أن الله لا يجهل".
قال عبد العزيز: "ثم التفت إلى بشر فقلت: لابد من أن تقول أن لله علما كما أخبر، أو ترد أخبار الله بنص التنزيل، أو يقف أمير المؤمنين على حيدتك عن
١ سورة الشعراء آية ٧٤.
٢ معلقة امرىء القيس.