أما خلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإن أصحابه اختلفوا في الحلال والحرام ومخارج الأحكام، فلم يخطىء بعضهم بعضا، فهم من أن يكفر بعضهم بعضا أبعد. وبشر يا أمير المؤمنين ادعى على الأمة كلمة تأولها بغير علم منه لمعناها وبما أراد الله عز وجل بها ولم يجد لها في كتاب الله عز وجل ما ينصها ولا ما يدل على تأويلها، ثم زعم أن من خالفه عليها كافر حلال الدم فأباح دم الأمة جميعا على ذلك، فهو خارج عن إجماع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تسليما وشرف وكرم١.
الكتاب الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فقال بشر: "قد خطبت وتكلمت وهذيت وتركتك حتى تفرغ مما ادعيت (من إبطال خلق القرآن) بنص التنزيل، ومعنا من كتاب الله آية لا يتهيأ لك معارضتها ولا دفعها، ولا التشبيه فيها، ولا الخطب عليها، كما فعلت في غيرها، وإنما أخرتها ليكون انقضاء المجلس عليها وسفك دمك بها".
قال عبد العزيز: فقلت له: "فاتها فأنا أشهد أمير المؤمنين على نفسي إني أول من يتبعك عليها ويقول بها، ويرجع عن قوله، ويكذب نفسه ويتوب إلى الله إن كان معك نص التنزيل، وكل من خالف نص التنزيل فهو كافر، والله لو اجتمعت الأنس والجن على ما قلت أن يأتوا به لم يقدروا أن يأتوا به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا".
قال بشر: "قال الله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} ٢
قال عبد العزيز: فقلت له: "لا أعرف أحدا من المؤمنين إلا وهو يؤمن بهذا ويقول: إن الله جعل القرآن عربيا ولا يخالف ذلك. فأي شيء في هذا من الحجة لك والدليل على خلقه".
١ قال الناسخ: تم الكتاب الأول بعون الله وتوفيقه وصلى أدته على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، يتلوه الكتاب الثاني إن شاء الله. ثم بدأ به فقال: بسم الله الرحمن الرحيم.
٢ سورة الزخرف آية ٣.