وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَذِّبَهُ إِلَّا عَلَى ذَنْبٍ وَمَعْصِيَةٍ، وَالذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي تُسَمَّى فُسُوقًا وَمَا جَازَ أَنْ يُسَمَّى عَاصِيًا، جَازَ أَنْ يُسَمَّى فَاسِقًا.
ثُمَّ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْهُدْهُدِ، بَعْدَ أَنِ اعْتَذَرَ إِلَى سُلَيْمَانَ فَقَالَ: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ، أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} ١.
وَهَذَا لَوْ كَانَ مِنْ أَقَاوِيلِ الْحُكَمَاءِ، بَلْ لَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ، لَكَانَ كَلَامًا حَسَنًا، وَعِظَةً بَلِيغَةً، وَحُجَّةً بَيِّنَةً، فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا مُطِيعٌ وَعَاصٍ، وَفَاسِقٌ وَمُهْتَدٍ.
وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا عَنِ النَّمْلِ مَا حَكَاهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَقَالَ: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} ٢ فَجَعَلَهَا تَنْطِقُ كَمَا يَنْطِقُ النَّاسُ.
وَقَالَ: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ} ٣ الْآيَةَ فَجَعَلَهَا تَنْطِقُ كَمَا يَنْطِقُ النَّاسُ.
وَقَالَ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ٤.
وَقَالَ: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} ٥ أَيْ سَبِّحِي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَقَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: أَنَّ نُوحًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَتَحَ كُوَّةَ الْفُلْكِ الَّتِي صنع.
١ سُورَة النَّمْل: الْآيَة ٢٢.
٢ سُورَة النَّمْل: الْآيَة ١٦.
٣ سُورَة النَّمْل: الْآيَة ١٨.
٤ سُورَة الْإِسْرَاء: الْآيَة ٤٤.
٥ سُورَة سبأ: الْآيَة ١٠.