فَأَخْرَجَتْهُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوِهَا، فَحَوَّلَتْهُ مِنْ ذَلِكَ النَّزِّ١ وَهُوَ طَرِيٌّ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَدُفِنَ بِالْهَجَرِيِّينَ٢ بِالْبَصْرَةِ.
وَتَوَلَّى إِخْرَاجَهُ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَامَةَ التَّيْمِيُّ.
وَهَذِهِ أَشْيَاءُ مَشْهُورَةٌ، كَأَنَّهَا عِيَانٌ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءُ، أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَجَازَ أَنْ يَكُونُوا فَرِحِينَ وَمُسْتَبْشِرِينَ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعْدَاؤُهُمُ الَّذِينَ حَارَبُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ، أَحْيَاءً فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ؟
وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا أَحْيَاءً، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا يَسْمَعُونَ؟ وَقَدْ أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ؟
وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ٣ "إِنَّهُ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْجَنَّةِ" ٤ وَتَسْمِيَتُهُ لَهُ ذَا الْجَنَاحَيْنِ، وَكَثْرَةُ الْأَخْبَارِ عَنْهُ فِي مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، وَفِي عَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِي دُعَائِهِ: "أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ" ٥.
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ صِحَاحٌ، لَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهَا التَّوَاطُؤُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِثْلُهَا، لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ دِينِنَا، وَلَا شَيْءَ أَصَحُّ مِنْ أَخْبَارِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي
١ النز: الندى أَو الرُّطُوبَة.
٢ بالهجريين: أَي مَعَ موتى الْمُهَاجِرين، نِسْبَة إِلَى الْهِجْرَة.
٣ جَعْفَر بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب بن هَاشم: صَحَابِيّ هاشمي من شجعانهم. يُقَال لَهُ جَعْفَر الطيار لِأَنَّهُ فقد يَدَيْهِ وَهُوَ يحمل الرَّايَة فِي وقْعَة مُؤْتَة ثمَّ اسْتشْهد عَام ٨هـ، من السَّابِقين الْأَوَّلين هَاجر إِلَى الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة، وَقيل إِن الله عوضه عَن يَدَيْهِ جناحين فِي الْجنَّة.
٤ التِّرْمِذِيّ: مَنَاقِب ٢٩.
٥ البُخَارِيّ: دعوات ٣٧، ٣٨، ٣٩، ٤١، ٤٤، ٤٥، ٤٦، ٥٧، مُسلم: ذكر ٤٨، ٧٦، التِّرْمِذِيّ: دعوات ٧٦، النَّسَائِيّ: استعاذة ١٧، ٢٦، ٥١، ٥٢، ٥٦، ابْن ماجة: دُعَاء ٣، وَأحمد: ١/ ٣٠٥، ٢/ ٣١٤، ٦/ ٥٧ وَفِي جَامع الْأَحَادِيث للسيوطي برقم ٣٤٣١ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.