١٩- قَالُوا: حَدِيثٌ فِي التَّشْبِيهِ- كَانَ فِي عَمَاءٍ:
قَالُوا: رُوِّيتُمْ فِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟
فَقَالَ: "كَانَ فِي عَمَاءٍ، فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَتَحْتَهُ هَوَاءٌ"١.
قَالُوا: وَهَذَا تَحْدِيدٌ وَتَشْبِيهٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَنَحْنُ نَقُولُ إِنَّ حَدِيثَ أَبِي رَزِينٍ هَذَا، مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَدْ جَاءَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِأَلْفَاظٍ تُسْتَشْنَعُ أَيْضًا، وَالنَّقَلَةُ لَهُ أَعْرَابٌ، وَوَكِيعُ بْنُ حُدُسٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ حَدِيثَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ.
غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ. حَدَّثَنَا عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ اللِّحْيَانِيُّ أَنَّهُ قَالَ: "الْعَمَاءُ" السَّحَابُ، وَهُوَ كَمَا ذُكِرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِنْ كَانَ الْحَرْفُ مَمْدُودًا.
وَإِنْ كَانَ مَقْصُورًا كَأَنَّهُ كَانَ فِي عَمَى، فَإِنَّهُ أَرَادَ كَانَ فِي عَمَى عَنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ، كَمَا تَقُولُ: "عَمِيتُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، فَأَنَا أَعْمَى عَنْهُ عَمًى" إِذَا أُشْكِلَ عَلَيْكَ فَلَمْ تَعْرِفْهُ وَلَمْ تَعْرِفْ جِهَتَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ خَفِيَ عَلَيْكَ، فَهُوَ فِي عَمًى عَنْكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَتَحْتَهُ هَوَاءٌ" فَإِنَّ قَوْمًا زَادُوا فِيهِ "مَا" فَقَالُوا: "مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ"، اسْتِيحَاشًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَتَحْتَهُ هَوَاءٌ، وَيَكُونَ بَيْنَهُمَا -وَالرِّوَايَةُ هِيَ الْأَوْلَى-.
وَالْوَحْشَةُ لَا تَزُولُ بِزِيَادَةِ "مَا" لِأَنَّ "فَوْقَ" و"تَحت" باقيان، وَالله أعلم.
١ أخرجه التِّرْمِذِيّ: تَفْسِير سُورَة ١١، وَابْن ماجة: مُقَدّمَة ١٣ وَقد ورد بِلَفْظ: "كَانَ فِي عماء مَا تَحْتَهُ هَوَاء وَمَا فَوْقه هَوَاء".