الْفرس والرومان وَالتّرْك والصينيون والهنود والبرابرة والزنج والنبط، وَأهل النَّحْل والأديان والمذاهب من الْمُسلمين وَالنَّصَارَى وَالْيَهُود والصابئة والسامرة وَالْمَجُوس وَغَيرهم ...
هَذَا هُوَ الْعَصْر الَّذِي أقبل عَلَيْهِ ابْن قُتَيْبَة وَالَّذِي شَارك فِيهِ: عصر نزاع ديني وعصر نزاع نحوي، وعصر عُلُوم مُخْتَلفَة وثقافات مُتعَدِّدَة، وَكَانَ من الطبيعي أَن يَخُوض ابْن قُتَيْبَة فِي غمار هَذِه النزاعات وَأَن يُسهم فِي الإدلاء بدلوه بَين أَرْبَاب الْفِكر والمذاهب، وَأَن يكْتب منتصرًا لما يعْتَقد أَنه حق مذهبا ومعتقدًا، فَلم يكد يفلته ركن لم يُشَارك فِيهِ.
وَإِن إِلْقَاء نظرة على عناوين كتبه توضح لنا أَن هَذِه الْكتب كَانَت ثَمَرَة للحركة العلمية فِي عصره، حَيْثُ ساهم فِي الاهتمامات العلمية الثقافية السائدة فِي عصره وشارك فِيهَا جَمِيعهَا:
- شَارك فِي محنة خلق الْقُرْآن وَكَانَ لَهُ فِيهَا رَأْي، وصنف فِي هَذِه الْقَضِيَّة كِتَابه: "الرَّد على الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن".
- وشارك فِي فتن المشبهة والمجسمة، ورد عَلَيْهِم بكتابه: "الرَّد على الْجَهْمِية والمشبهة".
- وشارك فِي الْخلاف النَّحْوِيّ بَين مدرسة الْبَصْرَة ومدرسة الْكُوفَة، وَجعل بَينهمَا مدرسة ثَالِثَة فِي بَغْدَاد، وصنف كتابين فِي النَّحْو هما: "جَامع النَّحْو الْكَبِير" و"جَامع النَّحْو الصَّغِير" وَكَانَ هُوَ فِي بَغْدَاد زعيمًا لتِلْك الْمدرسَة النحوية.
- وشارك فِي قَضِيَّة الشعوبية الَّتِي كَانَ خطرها يزْدَاد وينتشر، وانتصر للْعَرَب على الْعَجم لَا تعصبًا وانحيازًا بل اتبَاعا وانقيادًا للنصوص وحبًّا بِالْإِسْلَامِ الَّذِي نزل كِتَابه باللغة الْعَرَبيَّة على نَبِي عَرَبِيّ، فَوضع فِي ذَلِك كِتَابه: "فضل الْعَرَب على الْعَجم".
- وشارك فِي الِانْتِصَار لمَذْهَب أهل السّنة واقتفاء أثر السّلف الصَّالح بالاعتصام بِكِتَاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوضع عدَّة كتب مدافعًا عَن