ثُمَّ رُوِّيتُمْ: عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ مَوْلَى مَيْمُونَة قَالَ: أتيت بن عُمَرَ وَهُوَ عَلَى الْبَلَاطِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَقُلْتُ: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟
قَالَ: قَدْ صَلَّيْتُ، أَوَمَا١ سَمِعْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ؟ ".
قَالُوا: وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَاخْتِلَافٌ، وَكُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا يُوجِبُ غَيْرَ مَا يُوجِبُهُ الْآخَرُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَنَاقُضٌ وَلَا اخْتِلَافٌ.
أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ قَالَ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ، ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ، فَلْيُصَلِّ مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ ".
يُرِيدُ: أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ نَافِلَةٌ، وَالْأُولَى هِيَ الْفَرِيضَةُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَدْ تَقَدَّمَتْ بِأَدَائِهَا حَتَّى كَمَلَتْ وَتَقَضَّتْ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي، فَقَالَ: "إِذَا جِئْتَ لِلصَّلَاةِ، فَوَجَدْتَ النَّاسَ يُصَلُّونَ، فَصَلِّ مَعَهُمْ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ لَكَ نَافِلَةً، وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ ".
كَأَنَّهُ قَالَ: تَكُنْ لَكَ هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ مَعَ الْإِمَامِ نَافِلَةً، وَهَذِهِ الْأُخْرَى الَّتِي صَلَّيْتَهَا فِي بَيْتِكَ مَكْتُوبَةٌ.
وَلَوْ جُعِلَ مَكَانَ٢ قَوْلِهِ "هَذِهِ" وَ"تِلْكَ" مَكْتُوبَةٌ، كَانَ أَوْضَحَ لِلْمَعْنَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا يُشْكَلُ بِقَوْلِهِ: "وَهَذِهِ" فَأَغْفَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ "هَذِهِ" فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي، وَجَعَلَهُ مَكَانَ "تِلْكَ".
١ وَفِي نسختين: إِنِّي سَمِعت.
٢ أَي أبدل اسْم إِشَارَة الْقَرِيب باسم إِشَارَة الْبعيد.