وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: "سَنَامُ الْقُرْآنِ الْبَقَرَةُ" أَعْلَاهُ، كَمَا أَنَّ السَّنَامَ مِنَ الْبَعِيرِ أَعْلَاهُ.
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: "قَلْبُ الْقُرْآنِ يس" أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ، كَمَحَلِّ الْقَلْبِ مِنَ الْبَدَنِ.
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: "تَجِيءُ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ" أَنَّ ثَوَابَهُمَا يَأْتِي قَارِئَهُمَا، حَتَّى يُظِلَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَأْتِيَ ثَوَابُهُ الرَّجُلَ فِي قَبْرِهِ، وَيَأْتِي الرَّجُلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُجَادِلَ عَنْهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ لَهُ مِثَالًا، يُحَاجُّ عَنْهُ وَيَسْتَنْقِذَهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ زِيَادٍ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ١، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ٢، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُمَثَّلُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَجُلٍ، وَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ قَدْ كَانَ يُضَيِّعُ فَرَائِضَهُ، وَيَتَعَدَّى حُدُودَهُ، وَيُخَالِفُ طَاعَتَهُ، وَيَرْكَبُ مَعْصِيَتَهُ ".
قَالَ: "فَيَنْتَتِلُ٣ خَصْمًا لَهُ -فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، حَمَّلْتَ إِيَّايَ شَرَّ حَامِلٍ، تَعَدَّى حُدُودِي، وَضَيَّعَ فَرَائِضِي، وَتَرَكَ طَاعَتِي، وَرَكِبَ مَعْصِيَتِي".
فَمَا يَزَالُ يَقْذِفُ بِالْحُجَجِ عَلَيْهِ، حَتَّى يُقَالَ لَهُ: فَشَأْنَكَ بِهِ.
قَالَ: فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ، فَلَا يُفَارِقُهُ، حَتَّى يَكُبَّهُ عَلَى مَنْخَرِهِ فِي النَّارِ.
وَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ قَدْ كَانَ يَحْفَظُ حُدُوده، وَيعْمل بِفَرَائِضِهِ، وَيَأْخُذ
١ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار المطلبي بِالْوَلَاءِ الْمدنِي من أقدم مرخي الْعَرَب من أهل الْمَدِينَة، لَهُ السِّيرَة النَّبَوِيَّة رَوَاهَا عَنهُ ابْن هِشَام، وَكتاب الْخُلَفَاء وَكتاب المبدأ، وَكَانَ قدريًا من حفاظ الحَدِيث. وَسكن بَغْدَاد وَتُوفِّي فِيهَا عَام ١٥١هـ.
٢ عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، نزيل الْمَدِينَة ومعظم رواياته عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ الْقطَّان: إِذا روى عَن الثِّقَات فَهُوَ ثِقَة يحْتَج بِهِ، نزل فِي الطَّائِف وَتُوفِّي عَام ١١٨هـ.
٣ فيتنقل: يتَقَدَّم ويستعد لخصامه.