وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَكْرَهُ مِنْهَا الْمَثَانَةَ وَالْغُدَّةَ، وَالْمُصْرَانَ، وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَالطِّحَالَ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ"، وَالنُّفُوسُ لَا تَطِيبُ بِأَكْلِهِ.
وَمِنَ الْمُحَرَّمِ شَيْءٌ لَمْ يَنْزِلْ بِتَحْرِيمِهِ تَنْزِيلٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَكُلُّ النَّاسِ فِيهِ إِلَى فِطَرِهِمْ وَمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ، كَلَحْمِ الْإِنْسَانِ، وَلَحْمِ الْقِرْدِ، وَلُحُومِ الْحَيَّاتِ، وَالْأَبَارِصِ، وَالْعِظَاءِ، وَالْفَأْرِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وَلَيْسَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ إِلَّا وَالنُّفُوسُ تَعَافُهُ وَقَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّمُ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ١، وَهَذِهِ كُلُّهَا خَبِيثَةٌ فِي الْفِطَرِ.
وَأَمَّا مَا لَا يَحْسُنُ بِالْمَرْءِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنَ الْحَلَالِ، فَعَدْوُ الْكَهْلِ فِي الطَّرِيقِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْفِزَهُ٢ أَمْرٌ وَالْخُصُومَةُ فِي مَهْرِ الْأُمِّ، وَإِلْقَاءُ الرِّدَاءِ عَنِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَغَزْلُ الْقُطْنِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَالتَّحَلِّي بِالشَّيْءِ مِنْ حُلِيِّ الْمَرْأَةِ، وَالْأَكْلُ فِي الْأَسْوَاقِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
حَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَتَّابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ لُقْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْأَكْلُ فِي السُّوقِ دَنَاءَةٌ" ٣.
وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكْرَهُ سِفْسَافَهَا" ٤.
١ قَالَ تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} الْآيَة ١٥٧ من سُورَة الْأَعْرَاف".
٢ يحفزه: يدفعهم من خَلفه، وبالرمح: طعنه، وَعَن الْأَمر: أعجله وأزعجه.
٣ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن الْفُرَات، كَذَّاب وَرَوَاهُ الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ فِيهِ الْهَيْثَم بن سهل، وَهُوَ ضَعِيف، وَقَالَ العقيقي: لَا يثبت فِي هَذَا الْبَاب شَيْء.
٤ ورد الحَدِيث فِي صَحِيح الْجَامِع الصَّغِير برقم ١٨٨٩ بِلَفْظ: "إِن الله يحب معالى الْأَخْلَاق، وَيكرهُ سفسافها"، وَفِي سلسلة الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة للألباني برقم ١٣٧٨.