الرجل مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَرْكَعُ رَكْعَةً فِي سَنَةٍ، وَيَسْجُدُ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا فِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الزَّمَانِ.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِينَ قَبْلَنَا، فَقَالَ: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا} ١.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} ٢، وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} ٣.
وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَنْ قَبْلَنَا، مَا يُقَارِبُ هَذَا الْإِفْرَاطَ.
وَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَعْظَمَ مِنَّا أَجْسَامًا، وَأَشَدَّ قُوَّةً، غَيْرَ أَنَّ الْمِقْدَارَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِقْدَارُ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَعْمَارِنَا وَأَعْمَارِهِمْ.
فَهَذَا آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا عَمَّرَ أَلْفَ سَنَةٍ بِذَلِكَ تَتَابَعَتِ الْأَخْبَارُ، وَوَجَدْتُهُ فِي التَّوْرَاةِ.
وَهَذَا نُوحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَبِثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا.
ثُمَّ انْتَقَصَتِ الْأَعْمَارُ بَعْدَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَّا مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ فِي عُمُرِ لُقْمَانَ، صَاحِبِ النُّسُورِ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ عَاشَ أَعْمَارَ سَبْعَةِ أَنْسُرٍّ.
وَكَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ ألفي سنة، وَأَرْبع مائَة سَنَةٍ وَنَيِّفًا، وَخَمْسِينَ سَنَةً.
وَهَذَا شَيْءٌ مُتَقَادِمٌ، لَمْ يَأْتِ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا ثِقَةٌ٤، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَحْكِيهِ عُبَيْدُ بْنُ شَرِيَّةَ الْجُرْهُمِيُّ٥ وَأَشْبَاهُهُ من النساب،
١ الْآيَة: ٦٩ من سُورَة التَّوْبَة.
٢ الْآيَة: ٣٤٧ من سُورَة الْبَقَرَة.
٣ الْآيَة: ١٢٨ من سُورَة الشُّعَرَاء.
٤ لَعَلَّ الْأَصَح: وَلَا سنة.
٥ عبيد الله بن شرية الجرهمي: راوية من المعمرين، إِن صَحَّ خَبره فَهُوَ أول من صنف الْكتب من الْعَرَب. قيل فِي تَرْجَمته: من الْحُكَمَاء والخطباء فِي الْجَاهِلِيَّة أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، واستحضره مُعَاوِيَة فَسَأَلَهُ عَن أَخْبَار الأقدمين فأملى كتابين، وعاش إِلَى أَيَّام عبد الْملك بن مَرْوَان، توفّي سنة ٦٧هـ.