٥٧- قَالُوا: حَدِيثٌ يُبْطِلُهُ حُجَّةُ الْعَقْلِ- أَكْلُ الشَّيْطَانِ بِشِمَالِهِ:
قَالُوا: رُوِّيتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ: "كُلْ بِيَمِينِكَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ" ١.
قَالُوا: وَالشَّيْطَانُ رُوحَانِيٌّ كَالْمَلَائِكَةِ، فَكَيْفَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ يَدٌ، يَتَنَاوَلُ بِهَا؟
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ -جَلَّ وَعَزَّ- لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا إِلَّا جَعَلَ لَهُ ضِدًّا، كَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالتَّمَامِ وَالنُّقْصَانِ، وَالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، وَالْعَدْلِ وَالظُّلْمِ.
وَكُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْخَيْرِ وَالتَّمَامِ وَالْعَدْلِ وَالنُّورِ، فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، جَلَّ وَعَزَّ، لِأَنَّهُ أَحَبَّهُ، وَأَمَرَ بِهِ.
وَكُلُّ مَا كَانَ مِنَ الشَّرِّ وَالنَّقْصِ وَالظَّلَامِ، فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهُ الدَّاعِي إِلَى ذَلِك والمسول لَهُ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْيَمِينِ الْكَمَالَ وَالتَّمَامَ، وَجَعَلَهَا لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالسَّلَامِ وَالْبَطْشِ.
وَجَعَلَ فِي الشِّمَالِ الضَّعْفَ وَالنَّقْصَ، وَجَعَلَهَا للاستنجاء والاستنثار، وإماطة الأقذار.
١ أخرجه مُسلم: أشربة ١٠٥ و١٠٦، وَأَبُو دَاوُد: أَطْعِمَة ١٩، وَالتِّرْمِذِيّ: أَطْعِمَة ٩، وَابْن ماجة: أَطْعِمَة ٨، والدرامي: أَطْعِمَة ٩، والموطأ: صفة النَّبِي ٦، وَأحمد ٣/ ٨ و٣٣ و٨٠ و١٠٦ و١٠٨.