وَيَدْخُلُهَا الشَّوْبُ؛ وَيَقَعُ التَّدْلِيسُ وَالْكَذِبُ مِنَ الْمُنَافِقِ وَالْفَاجِرِ وَالْأَعْرَابِيِّ.
وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ جُلَّةِ الصَّحَابَةِ، وَأَهْلِ الْخَاصَّةِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَبِي بَكْرٍ، وَالزُّبَيْرِ١، وَأَبِي عُبَيْدَةَ٢، وَالْعَبَّاسِ٣ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يُقِلُّون الرِّوَايَةَ عَنْهُ.
بَلْ كَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَكَادُ يَرْوِي شَيْئًا كَسَعِيدِ٤ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُ، وَإِذَا حَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَدِّثٌ، اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِنْ حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَنِي، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ" ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ.
أَفَمَا تَرَى تَشْدِيدَ الْقَوْمِ فِي الْحَدِيثِ وَتَوَقِّيَ مَنْ أَمْسَكَ، كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيفِ، أَوِ الزِّيَادَةِ فِي الرِّوَايَةِ، أَوِ النُّقْصَانِ، لِأَنَّهُمْ سَمِعُوهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ:
"مَنْ كَذَبَ عليَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده من النَّار" ٥.
١ الزبير بن الْعَوام بن خويلد الْأَسدي حوارِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَابْن عمته صَفِيَّة، وَأحد الْعشْرَة السَّابِقين، وَأول من سل سَيْفا فِي سَبِيل الله، هَاجر الهجرتين وَشهد بَدْرًا، والمشاهد كلهَا، توفّي سنة ٣٦هـ.
٢ هُوَ عَامر بن عبد الله بن الْجراح، أَمِين هَذِه الْأمة، وَأحد الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ، شهد بَدْرًا، ولي الشَّام، وافتتح اليرموك والجابية والرمادة، وافتتح دمشقًا صلحا وَكتب لأَهْلهَا كتاب الصُّلْح، وَذكروا فِي مناقبه أَنه قتل أَبَاهُ يَوْم بدر، وَنزلت فِيهِ {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَة. وَهُوَ فِيمَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن عبد الله بن شَوْذَب قَالَ: جعل وَالِد أبي عُبَيْدَة يتَصَدَّى لأبي عُبَيْدَة يَوْم بدر فيحيد عَنهُ فَلَمَّا أَكثر قَصده فَقتله، توفّي أَبُو عُبَيْدَة فِي طاعون عمواس سنة ١٨هـ.
٣ هُوَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أَبُو الْفضل، ولد قبل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بِسنتَيْنِ، وَكَانَ إِلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة السِّقَايَة والعمارة، وَحضر بيعَة الْعقبَة مَعَ الْأَنْصَار قبل أَن يسلم، هَاجر قبل الْفَتْح بِقَلِيل، وَشهد الْفَتْح، وَثَبت يَوْم حنين، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ ٣٢هـ.
٤ سعيد بن زيد الْعَدوي، أَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، والمهاجرين الْأَوَّلين شهد الْمشَاهد كلهَا بعد بدر الَّتِي تخلف عَنْهَا فَضرب لَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْم، وَذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِيمَن شهد بَدْرًا، توفّي سنة ٥١هـ.
٥ أخرج البُخَارِيّ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: "إِن كذبا عليَّ لَيْسَ ككذب على أحد، من كذب عليَّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار" البُخَارِيّ: جنائز ٣٤، وَأحمد ٤/ ٢٤٥، وَأَبُو دَاوُد: علم ٤، وَالتِّرْمِذِيّ: علم ٨ وَأما الرِّوَايَة: "من كذب عَليّ فَهُوَ فِي النَّار" فَهِيَ رِوَايَة ضَعِيفَة، وَقد أخرجه الألباني فِي ضَعِيف الْجَامِع الصَّغِير رقم ٥٨٣٠ وسلسلة الْأَحَادِيث الضعيفة برقم ٤٦٤٦.