وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: "مَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ" ١.
قَالَ: فَأَوْجَبُوا فِي الضَّجْعَةِ الْوُضُوءَ إِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ، وَأَسْقَطُوهُ عَنِ النَّائِمِ الْمُسْتَثْقِلِ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا. قَالَ: وَهَاتَانِ الْحَالَانِ، فِي خَشْيَةِ الْحَدَثِ، أَقْرَبُ مِنَ الضَّجْعَةِ، فَلَا هُمُ اتَّبَعُوا أَثَرًا، وَلَا لَزِمُوا قِيَاسًا.
قَالَ: وَقَالُوا مَنْ تَقَهْقَهَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى. قَالَ: فَأَيُّ غَلَطٍ أَبْيَنُ مِنْ غَلَطِ مَن يَحْتَاطُ لِصَلَاةٍ لَمْ تَحْضُرْ، وَلَا يَحْتَاطُ لِصَلَاةٍ هُوَ فِيهَا.
قَالَ: وَقَالُوا فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَ جَدَّهُ أَبَا أُمِّهِ وَبِنْتَ بِنْتِهِ -الْمَالُ لِلْجَدِّ دُونَ بِنْتِ الْبِنْتِ. وَكَذَلِكَ هُوَ -عِنْدَهُمْ- مَعَ جَمِيعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ.
قَالَ: فَأَيُّ خَطَأٍ أَفْحَشُ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ الْجَدَّ يُدْلِي بِالْأُمِّ، فَكَيْفَ يُفَضَّلُ عَلَى بِنْتِ الْبِنْتِ، وَهِيَ تُدْلِي بِالْبِنْتِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَبَّهُوا أَبَا الْأُمِّ بِأَبِي الْأَبِ، إِذِ اتَّفَقَ أَسْمَاؤُهُمَا٢.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ، وَهُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ٣ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَا بَالُهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ؟ أَيُرِيدُ أَنْ يَطِيرَ؟
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ٤: إِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَطِيرَ إِذَا افْتَتَحَ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَطِيرَ إِذا خفض وَرفع.
١ أخرجه أَبُو دَاوُد: طَهَارَة ٧٩، وَابْن ماجة: طَهَارَة ٦٢، وَأحمد ١/ ١١١.
٢ وَفِي رِوَايَة: أَسمَاؤُهُم.
٣ وَكِيع بن الْجراح بن مليح الرُّؤَاسِي حَافظ للْحَدِيث، ثَبْتٌ، كَانَ مُحدث الْعرَاق فِي عصره ولد بِالْكُوفَةِ ١٢٩ هـ وَأَبوهُ نَاظر على بَيت المَال فِيهَا، وتفقه وَحفظ الحَدِيث واشتهر، وَأَرَادَ الرشيد أَن يوليه قَضَاء الْكُوفَة فَامْتنعَ ورعًا، وَكَانَ يَصُوم الدَّهْر، لَهُ كتب مِنْهَا "تَفْسِير الْقُرْآن" توفّي بغيد رَاجعا من الْحَج ١٩٧هـ.
٤ عبد الله بن الْمُبَارك، الْحَنْظَلِي وَلَاء، أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمروزِي، أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وشيوخ الْإِسْلَام كتب عَن أَرْبَعَة آلَاف شيخ، قَالَ فِيهِ ابْن عُيَيْنَة: ابْن الْمُبَارك عَالم الْمشرق وَالْمغْرب وَمَا بَينهمَا، وَقد مَلَأت أخباره الرائعة كتب التراجم. توفّي سنة ١٨١هـ.