وَتَدْبِيرٍ , لَيْسَ مَعَهُ شَرِيكٌ وَلَا دُونَهُ مُدْبِرٌ وَلَا لَهُ مُضَادٌّ , بِيَدِهِ تَصَارِيفُ الْأُمُورِ , وَهُوَ الْآخِذُ بِعُقَدِ النَّوَاصِي , وَالْعَالِمُ بِخَفِيَّاتِ الْقُلُوبِ وَمَسْتُورَاتِ الْغُيُوبِ , فَمَنْ هَدَاهُ بِطَوْلٍ مِنْهُ اهْتَدَى , وَمَنْ خَذَلَهُ ضَلَّ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا عُذْرٍ , خَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَخَلَقَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلًا هُمْ سَاكِنُوهَا , أَحْصَاهُمْ عَدَدًا , وَعَلِمَ أَعْمَالَهُمْ وَأَفْعَالَهُمْ , وَجَعَلَهُمْ شَقِيًّا وَسَعِيدًا , وَغَوِيًّا وَرَشِيدًا , وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخَذَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , وَقَدَّرَ أَعْمَالَهُمْ , وَقَسَّمَ أَرْزَاقُهُمْ , وَأَحْصَى آجَالَهُمْ , وَعَلِمَ أَعْمَالَهُمْ , فَكُلُّ أَحَدٍ يَسْعَى فِي رِزْقٍ مَقْسُومٍ وَعَمَلٍ مَحْتُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ , قَدْ عَلِمَ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا , فَلَا مَحِيصَ لَهَا عَمَّا عَلِمَهُ مِنْهَا , وَقَدَّرَ حَرَكَاتِ الْعِبَادِ وَهِمَمَهُمْ وَهَوَاجِسَ قُلُوبِهِمْ وَخَطَرَاتِ نُفُوسِهِمْ , فَلَيْسَ أَحَدٌ يَتَحَرَّكُ حَرَكَةً وَلَا يَهِمُّ هِمَّةً إِلَّا بِإِذْنِهِ , وَخَلَقَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ , وَخَلَقَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامِلًا يَعْمَلُ بِهِ , فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ إِلَّا لَمَّا خُلِقَ لَهُ , وَأَرَادَ قَوْمًا لِلْهُدَى , فَشَرَحَ صُدُورَهُمْ لِلْإِيمَانِ وَحَبَّبَهُ إِلَيْهِمْ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَرَادَ آخَرِينَ لِلضَّلَالِ فَجَعَلَ صُدُورَهُمْ ضَيِّقَةً حَرِجَةً , وَجَعَلَ الرِّجَاسَةَ عَلَيْهِمْ , وَأَمَرَ عِبَادَهُ بِأَوَامِرَ , وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ فَرَائِضَ , فَلَنْ يُؤَدُّوهَا إِلَيْهِ إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ وَمَعُونَتِهِ , وَحَرَّمَ مَحَارِمَ وَحَّدَ حُدُودًا , فَلَنْ يَكُفُّوا عَنْهَا إِلَّا بِعِصْمَتِهِ , فَالْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ لَهُ , وَوَاقِعَةٌ