عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ:
٤٩٦ - أنا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ , وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} آل عمران: ١٨٦ قَالَ: هُوَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ , وَكَانَ يُحَرِّضُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ , فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ خَمْسَةُ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ , وفِيهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ , وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَبْسٍ , فَأَتَوْهُ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ قَوْمِهِ بِالْعَوَالِي , فَلَمَّا رَآهُمْ ذُعِرَ مِنْهُمْ , وَأَنْكَرَ شَأْنَهُمْ , وَقَالُوا: جِئْنَاكَ لِحَاجَةٍ , قَالَ: «فَلْيَدْنُ إِلَيَّ بَعْضُكُمْ فَلْيُحَدِّثْنِي بِحَاجَتِهِ , فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ» قَالَ: جِئْنَاكَ لِنَبِيعَكَ أَدْرُعًا عِنْدَنَا لِنَسْتَنْفِقَ بِهَا , ⦗٤٢٩⦘ قَالَ: «لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ جَهِدْتُمْ مُنْذُ نَزَلَ بِكُمْ هَذَا الرَّجُلُ , فَوَاعَدُوهُ أَنْ يَأْتُوهُ عِشَاءً حِينَ يَهْدَأُ عَنْهُمُ النَّاسُ , فَأَتَوْهُ فَنَادَوْهُ» فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا طَرَقَكَ هَؤُلَاءِ سَاعَتَهُمْ هَذِهِ لِشَيْءٍ مِمَّا تُحِبُّ , قَالَ: «إِنَّهُمْ قَدْ حَدَّثُونِي بِحَدِيثِهِمْ وَشَأْنِهِمْ» قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ عِكْرِمَةَ: «إِنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَكَلَّمَهُمْ» فَقَالَ: مَا تَرْهَنُونِي؟ أَتَرْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ؟ وَأَرَادُوا أَنْ يَبِيعَهُمُ تَمْرًا , فَقَالُوا: «إِنَّا نَسْتَحِي أَنْ تُعَيَّرَ أَبْنَاؤُنَا» فَيُقَالَ: هَذَا رَهِينَةُ وَسْقٍ , وَهَذَا رَهِينَةُ وَسْقَيْنِ " فَقَالَ: أَتَرْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ؟ فَقَالُوا: أَنْتَ أَجْمَلُ النَّاسِ , وَلَا نَأْمَنُكَ , وَأَيُّ امْرَأَةٍ تَمْتَنِعُ مِنْكَ لِجَمَالِكَ؟ وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ سِلَاحَنَا , فَقَدْ عَلِمْتَ حَاجَتَنَا إِلَى السِّلَاحِ الْيَوْمَ , فَقَالَ: «نَعَمْ , إِيتُونِي بِسِلَاحِكُمْ , وَاحْتَمِلُوا مَا شِئْتُمْ» قَالُوا: فَانْزِلْ إِلَيْنَا , نَأْخُذْ عَلَيْكَ , وَتَأْخُذْ عَلَيْنَا , فَذَهَبَ يَنْزِلُ , فَتَعَلَّقَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ , ⦗٤٣٠⦘ فَقَالَتْ: أَرْسَلْ إِلَى أَمْثَالِهِمْ مِنْ قَوْمِكَ , فَيَكُونُوا مَعَكَ؟ فَقَالَ: «لَوْ وَجَدُونِي هَؤُلَاءِ نَائِمًا أَيْقَظُونِي» قَالَتْ: فَكَلِّمْهُمْ مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ , فَأَبَى عَلَيْهَا , قَالَ: «فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ يَفُوحُ رِيحُهُ» قَالُوا: مَا هَذِهِ الرِّيحُ يَا أَبَا فُلَانٍ؟ قَالَ: «هَذَا عِطْرُ أُمِّ فُلَانٍ , لِامْرَأَتِهِ , فَدَنَا إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ لِيَشَمَّ رَأْسَهُ , ثُمَّ اعْتَنَقَهُ» ثُمَّ قَالَ: اقْتُلُوا عَدُوَّ اللَّهِ , فَطَعَنَهُ أَبُو عَبْسٍ فِي خَاصِرَتِهِ , وَعَلَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِالسَّيْفِ , فَقَتَلُوهُ ثُمَّ رَجَعُوا , فَأَصْبَحَتِ الْيَهُودُ مَذْعُورِينَ , فَجَاءُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: قُتِلَ سَيِّدُنَا غِيلَةً , فَذَكَّرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنِيعَهُ , وَمَا كَانَ يُحَرِّضُ عَلَيْهِمْ , وَيُحَرِّضُ فِي قِتَالِهِمْ , وَيُؤْذِيهِمْ بِهِ , ثُمَّ دَعَاهُمْ أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحًا , قَالَ: «وَكَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ مَعَ عُمَرَ بَعْدُ»