فلما صار بعد القول صار حكاية وكذاك ما بعده مما هو من كلام الجن.
وأما "إنَّما" فاذا حسن مكانها "أَنَّ" فتحتها، واذا لم تحسن كَسَرْتَها. قال {إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ الهكُمْ اله وَاحِدٌ} فالاخرة يحسن مكانها "أَنَّ" فتقول: "يُوحى إليَّ أَنَّ إلهَكُم إلهٌ واحد" قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد التسعون :
٥٠ أرانِي - وَلا كُفْرانَ لِلّهِ - إنَّما * أُواخِي من الأقْوامِ كُلَّ بَخِيلِ
لأنَّهُ لا يَحْسُنُ ها هُنا "أَنَّ" فـ لو قلت: "أَراني أنما أواخي من الأقْوام" لم يحسن. وقال: من الخفيف وهو الشاهد الحادي والتسعون :
أَبْلِغ الحارثَ بنَ ظالِمِ المُو * عِدِ والناذِرَ النُّذُورَ عَلَيّا
أَنَّما تَقْتُلُ النِّيامَ، وَلا تَقْـ * ـتُلُ يَقْظانَ ذا سِلاحٍ كَمِيّا
فحسن أن تقول: "أَنَّكَ تَقْتُلُ النِّيام". وأَمَّا قوله عز وجل {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} فالآخرةُ بَدَلٌ من الأُولى.
وَأمّا "إنْ" الخفيفة فتكون في معنى "ما" كقول الله عز وجل {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ} أيْ: ما الكافرون. وقال {إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ} أيْ: ما كان للرحمن ولد {فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} مِنْ هذهِ الامةِ للرَّحْمن، بِنَفْيِ الوَلَدِ عَنْهُ.
أَي: أَنا أَوَّلُ العابِدِينَ بأَنَّهُ ليْسَ للرحمن وَلَد. وقال بعضُهُمُ {فَأَنا أَوَّلُ العَبِدِين} يقول: "أَنا أَوَّلُ مَنْ يَغْضَبُ من ادّعائِكُمْ لِلّهِ وَلدا".
ويقول: "عَبِدَ" "يَعْبَدُ" "عَبَدا" أي: غَضِبَ. وقال {وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} فهي مكسورة ابدا اذا كانت في معنى "ما" وكذلك {وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن ٥٠ب مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} فـ"إنْ" بمنزلة "ما"، و"ما" التي قبلها بمنزلة "الذي".