نِسائِكُمْ"، وانما يقال: "رَفْثَ بامرَأَتِه" ولا يقال: "إلى امرأته" وذا عندي كنحو ما يجوز من "الباء" في مكان "إلى" في قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} وانما هو "أحسن اليّ" فلم "إلى" ووضع "الباء" مكانها وفي مكان "على" في قوله ٥٩ء {فَأَثَابَكُمْ غَمَّاً بِغَمٍّ} انما هو "غمّاً على غَمٍّ" وقوله {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أي: "على قِنطارٍ" كما تقول: "مررتُ بِهِ" و"مررت عَلَيْهِ" كما قال الشاعر: - وأخبرني من أثق به أنه سمعه من العرب -: من الوافر وهو الشاهد الرابع والعشرون :
إذا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ * لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَنِي رِضاها
يريد: "عنى". وذا يشبه {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} لانك تقول: "خَلَوْتُ إلَيْهِ وصنعنا كذا وكذا" و"خَلَوْتُ به". وان شئت جعلتها في معنى قوله {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} أي: "معَ اللهِ", وكما قال {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} أي: "على القَوْمِ"
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}
وقوله * {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ} فرفع هذا لانه كُلَّ ما كان من الفعل على "يَفْعَلُ هو" و"تَفْعَل أنت" و"أَفْعلٌ أَنا" و"نَفْعَلُ نَحن" " فهو أبداً مرفوع لا تعمل فيه الا الحروف التي ذكرت لك من حروف النصب او حروف الجزم والامر والنهي ٥٦ب والمجازاة. وليس شيء من ذلك ها هنا وانما رفع لموقعه في موضع الأسماء. ومعنى هذا الكلام حكاية، كأنه قال: "اِسْتَحْلَفْناهُم لا يَعْبُدون" أي: قُلْنا لَهُم: "واللهِ لا تُعْبَدوْنَ"، وذلك أنها تقرأ {يَعْبُدون} و {تَعْبُدون} . قال {وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} {لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ} فإن شئت جعلت "لا يَسَّمَّعُون" مبتدأ وإنْ شئت قلت: هو في معنى "أنْ لا لا يَسَّمَّعُوا" فلما حذفت "أنْ" اِرتفع, كما تقول: "أَتَيْتُكَ تُعْطِيني وتُحْسِنُ إِلَيَّ وتَنْظُرُ في حاجتي" ومثله "مُرْهُ يُعطِيني" إنْ شئت جعلته على "فَهْوَ يُعطِيني" وإنْ شئت على "أَنْ يُعطِيني". فلما أَلْقَيْتَ "أَنْ" ارتفع. قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد السابع بعد المئة :
ألا أَيُّهذا الزاجِرِي احضر الوغي * وأَنْ أَتْبَعَ اللَّذَّاتِ هَلْ انت مُخْلِدِي
فـ"أَحْضُرَ" في معنى" أَنْ أُحْضُرَ".
{ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الّعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
قال {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} فجعلها من "تَتَظاهَرُونَ" وأدغم التاء في الظاء وبها نقرأ. وقد قرئت {تَظاهَرون} مخففة بحذف التاء الآخرِة لأَنَّها زائدة لغير معنى. وقال {وَإِن يَأتُوكُمْ أَسْرى} وقرئت {أُسَارَى} . وذلك لأن "أَسير" "فَعِيل" وهو يشبه "مَرِيضاً" لأنَّ به عيبا ٥٧ب كما بالمريض، وهذا "فَعِيل" مثله. وقد قالوا في جماعة "المريض": "مَرْضى" وقالوا {أُسارَى} فجعلوها مثل "سكارَى" و"كُسالىَ"، لأنَّ جمع "فَعْلان" الذي به علة قد يشارك جمع "فَعِيل" وجمع "فَعِل" نحو: "حَبِطٌ" و"حَبْطى" و"حُباطَى" و"حَبِجٌ" و"حَبْجى" و"حُباجى". وقد قالوا {أَسارى} كما قالوا {سَكَارَى} .
وقال بعضهم {تَفْدُوهم} من "تَفْدِى" وبعضهم {تُفادُوهم} من "فادَى" يُفادِي" وبها نقرأ وكل ذلك صواب.
وقال {فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ} , وقال {مَا هذاإِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} و {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ} رفع، لأن كل ما لا تحسن فيه الباء من خبر "ما" فهو رفع، لأن "ما" لا تشبه في ذلك الموضع بالفعل، وانما تشبه بالفعل في الموضع الذي تحسن فيه الباء، لأنها حينئذ تكون في معنى "ليس" لا يشركها معها شيء. وذلك قول الله عز وجل {مَا هذابَشَراً} .، وتميم ترفعه، لانه ليس من لغتهم أن يشبهوا "ما" بالفعل.
وقال {ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء} وفي موضع آخر {هَا أَنْتُمْ هؤلاء} كبعض ما ذكرنا وهو كثير في كلام العرب. وردّد* التنبيه توكيدا. وتقول: "ها** أَنَا هذا" و"ها**" أَنْتَ هذا فتجعل "هدا" للذي يخاطب، وتقول: "هذا أنت". وقد جاء أشد من ذا. قال الله عز وجل {مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ} والعصبة هي تنوء بالمفاتيح. قال وهو الشاهد السابع عشر بعد المئة من مجزوء الوافر :