Loading...

Maktabah Reza Ervani




Judul Kitab : Tafsir Ishaq Al Bustiy- Detail Buku
Halaman Ke : 244
Jumlah yang dimuat : 2017

٢٣٨ - حدثنا علي بن حجر، قال: أخبرنا سعيد بن سعيد القرشي، عن القاسم بن أبي أيوب، قال: حدثني سعيد بن جبير، قال: سألت عبد الله بن عباس عن قول الله لموسى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} فسألته عن الفتون ما هو؟ فقال لي: استأنف النهار يا ابن جبير، فإن لها حديثًا طويلاً، فلما أصبحت غدوت على ابن عباس لأنتجز ما وعدني من حديث الفتون قال: فأتيته فقال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكًا فقال بعضهم: إن بني إسرائيل لينتظرون ذلك، وما يشكون فيه، ولقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب فلما هلك قالوا: ليس هكذا كان الله وعد إبراهيم، قال: فقال فرعون: فكيف ترون؟ فائتمروا بينهم فأجمعوا أمرهم على أن يبعثه (١) رجالًا معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودًا ذكرًا إلا ذبحوه ففعلوا فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم وأن الصغار يذبحون قالوا يوشكوا (٢) أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة الذين (٣) كانوا يكفونكم، فاقتلوا عامًا كل مولود ذكر؛ فيقل نباتهم، ودعوا عامًا لا تقتلوا منهم أحدًا؛ فيشب الصغار مكان من

⦗٢٤١⦘

يموت من الكبار فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم فتخافون مكاثرتهم إياكم، ولن يفنوا بمن تقتلون فتحتاجون إليهم، فأجمعوا أمرهم على ذلك، فحملت أم موسي بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان فولدت علانية آمنة، حتى إذا كان من قابل حملت بموسي فوقع في قلبها الحزن والهم، وذلك من الفتون يا ابن جبير، وما دخل (٤)

عليه في بطن أمه مما براد به، فأوحى الله -جل جلاله- إليها: أن {لا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} وأمرها إذا هي ولدت أن تجعله في التابوت، ثم تلقيه في اليم، فلما ولدت فعلت ما أمرت به حتى إذا تواري عنها ابنها أتاها الشيطان فقالت في نفسها: ما فعلت بابني؟! لو ذبح عندي فواريته و کفنته كان أحب إلي من ألقيته (٥) بيدي إلى دواب البحر وحيتانه، فانطلق به الماء حتى رمي به عند فرضة مستقي جواري امرأة فرعون، فرأينه، فأخذنه، فهممن أن يفتحن التابوت، فقال بعضهم (٦) لبعض: إن في هذا لمالًا، وإنا إن فتحنا لم تصدقنا امرأة الملك فرعون بما وجدنا فيه، فحملنه کهيئته لم يحرکن منه شيئًا حتى دفعنه إليها، فلما فتحته رأت الغلام، فألقى الله عليه محبة منها لم يلق منها على أحد من البشر قط، {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} من كل ذكر إلا ذكر

⦗٢٤٢⦘

موسى فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم يريدون أن يذبحوه -وذلك من الفتون يا ابن جبير- فقالت للذباحين: أقروني فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل، فآتي فرعون، فاستوهبه إياه فإن وهبه لي فقد أحسنتم وأجملتم، وإن أمر بذبحه لم ألمكم، فلما أتت به فرعون قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} فقال فرعون: يكون لك، فأما لي فلا حاجة لي فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي يحلف به لو قال فرعون: بأن يكون قرة عيني (٧) له كما قالت امرأة فرعون: لهداه بموسي کما هدي به امرأته، ولكن الله حرمه ذلك.

فأرسلت إلى من حولها، إلى كل امرأة لها لبن؛ لتختار له ظئرًا، فجعل كلما أخذته امرأة منهم لترضع لم يقبل ثديها حتى أشفقت عليه امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت، فأحزنها ذلك، فأمرت به فأخرج إلى السوق، وجمع ناس ترجو أن تجد له ظئرًا يأخذ منها فلم يقبل. وأصبحت أم موسي والهًا، فقالت لأخته: {قصيه}، أي: قصي أثره، واطلبيه هل تسمعين له

⦗٢٤٣⦘

ذكرًا؟ أحي ابني، أم أكلته دواب؟ ونسيت الذي كان الله -تبارك وتعالى- وعدها فيه {فبصرت به} أخته {عن جنب وهم لا يشعرون} -الجنب: أن يسمو بصر الإنسان إلى شيء بعيد وهو إلى جنبه لا يشعر به- فقالت من الفرح حين أعياهم الظئورات: أنا {أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} فأخذوها فقالوا: وما يدريك ما نصيحتهم له؟ هل تعرفينه؟ حتى شكوا في ذلك -وذلك من الفتون يا ابن جبير- قالت: نصيحتهم له، وشفقتهم عليه رغبتهم في صهر الملك، ورجاء منفعته فتركوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر فجاءت أمها فلما وضعته في حجرها نزل (٨) إلى ثديها فمصه حتى امتلأ جنباه ريًا. فانطلق البشرى إلى امرأة فرعون يبشرونها أنا قد وجدنا لابنك ظئرًا، فأرسلت إليها، فأتيت بها وبه، فلما رأت ما يصنع بها قالت لها: امكثي عندي حتى ترضعي ابني هذا فإني لم أحب حبه شيئًا قط. فقالت: لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع فإن طابت نفسك أن تعطينيه حتى أذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيرًا فعلت وإلا فإني غير تاركة بيتي

⦗٢٤٤⦘

وولدي. وذكرت أم موسى ما كان الله وعدها، فتعاسرت على امرأة فرعون لذلك فأيقنت بأن الله منجز وعده، فرجعت بابنها إلى بيتها من يومها، فأنبته الله نباتا حسنًا، وحفظه لما قضى فيه فلم يزل في ناحية القرية يمتنعون به من الظلم والسخرة ما كان فيهم، فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى: أزيريني ابني فوعدتها أن تريها إياه فقالت لخزانها، وظئورتها، وقهارمتها: لا يبقى منكم اليوم أحد إلا استقبل ابني بهداياه، وكرامته، لأرى ذلك فيه، وأنا باعثة أمينًا يحصي ما صنع كل إنسان منکم، فلم تزل الهدايا، والكرامة، والنحل تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون، فلما دخل عليه (٩)

نحلته، وأكرمته، وفرحت به وأعجبها ما رأت، ونحلت أمه بحسن أثرها عليه، ثم قالت: لأنطلقن به إلى فرعون، فلينحلنه، وليكرمنه، فلما دخلت به عليه جعلته في حجره، فتناول موسي لحية فرعون فمدها إلى الأرض فقال له الغواة من أعداء الله: ألا ترى إلى ما وعد الله نبيه إبراهيم أنه يرثك، ويعلوك، ويعزلك؟ فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه -قال: وذلك من الفتون يا ابن جبير بعد كل بلاء ابتلي به وأريد به فتونًا- فجاءت

⦗٢٤٥⦘

امرأة فرعون مسرعة تسعى إلى فرعون فقالت: ما بدا لك في هذا الصبي الذي وهبته لي؟ قال: ألا ترينه يزعم أنه يصرعني ويعلوني. فقالت له: اجعل بيني وبينك أمرًا تعرف فيه الحق من الباطل، ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمت أنه يعقل، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلوتين تعلم أن أحدًا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل، فقرب إليه ذلك فتناول الجمرتين فانتزعهما منه مخافة أن تحرقا يده فقالت امرأته: ألا ترى؟ فصرفه الله عنه بعد ما كان همّ به، وكان الله بالغًا فيه أمره. فلما بلغ أشده وكان من الرجال لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحدهم (١٠)

من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة حتى امتنع منهم كل الامتناع، فبينما هو يمشي في ناحية المدينة إذ هو برجلين يقتتلان -أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من آل فرعون- فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فغضب موسي، واشتد غضبه؛ لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسي من بني إسرائيل، وحفظه لهم، لا يعلم الناس إلا أنما ذاك من الرضاع غير أم موسى إلا أن يكون الله أطلع موسي من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره، فوکز موسى الفرعوني فقتله وليس يراهما أحد إلا الله -جل ذكره- والإسرائيلي، فقال موسي حين قتل الرجل: {هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين} ثم قال: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم} {فأصبح في المدينة خائفًا يترقب} الأخبار فأتي فرعون فقيل له: إن بني إسرائيل

⦗٢٤٦⦘

قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا، ولا ترخص لهم قال: فقال: ابغوني قاتله، ومن يشهد عليه، فإن الملك وإن كان صغوه مع قومه لا يستقيم له أن يقيد بغير بينة ولا ثبت، فاطلبوا علم ذلك آخذ لكم بحقكم، فبينا هم يطلبون لا يجدون ثبتًا، إذا موسي من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيًا آخر، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فصادف موسى قد ندم على ما كان منه بالأمس، فكره الذي رأى، فغضب الإسرائيلي، وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال الإسرائيلي (١١)

لما فعل بالأمس واليوم: {إنك لغوي مبين} فنظر الإسرائيلي إلى موسي بعد ما قال له: ما قال، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل به الفرعوني، فخاف الإسرائيلي أن يكون بعد ما قال: {إنك لغوي مبين} أن يكون إياه أراد، ولم يكن إياه أراد، إنما أراد الفرعوني، فخاف الإسرائيلي فحاجز الفرعوني، فقال الإسرائيلي: {يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس} وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسي ليقتله، فتتارکا، وانطلق الفرعوني إلى قومه، فأخبرهم بالذي سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول: {أتريد أن تقتلني كما قتلت

⦗٢٤٧⦘

نفسًا بالأمس} فأرسل فرعون إلى الذباحين ليقتلوا موسي، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هينتهم يطلبون موسى، وهم لا يخافون أن يفوتهم موسي {وجاء رجل} من شيعة موسى {من أقصى المدينة} فاختصر طريقًا قريبًا حتي سبقهم إلى موسى فأخبره الخبر -وذلك من الفتون يا ابن جبير- فخرج موسي متوجهًا نحو مدين، ولم يلق بلاء قبل ذلك، وليس له بالطريق علم إلا خير ظنه بربه فإنه {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} قال: {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان} -يعني بذلك: حابستين غنمهما- {قال ما خطبكما} معتزلتين لا تسقيان مع الناس؟ قالتا: ليست لنا قوة نزاحم القوم، وإنما ننتظر فضول حياضهم {فسقى لهما}، فجعل يغرف في الدلو ماء كثيرًا حتى كانتا أول الرعاء فراغًا، فانصرفا (١٢)

إلى أبيهما بغنمهما، وانصرف موسى إلى شجرة فاستظل بها فقال: {رب إني لما أنزلت إلي من خير

⦗٢٤٨⦘

فقير} فاستنكر أب الجاريتين سرعة انصرافهما، فأمر إحداهما أن تدعوه فأتته فدعته فلما كلمه {قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين} ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان، ولسنا في مملكته {قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} قال: فاحتمله الغيرة أن قال: وما يدريك ما قوته وأمانته؟ قالت: أما قوته فما رأيت منه حين سقى لنا لم أر رجلًا قط أقوى في ذلك السقي منه، وأما أمانته فإنه نظر إلي حين أقبلت إليه، وشخصت به فلما علم أني امرأة صوب رأسه، فلم يرفعه، ولم ينظر إلي حتى بلغته رسالتك، فقال لي: امشي خلفي، وانعتي لي الطريق، فلم يفعل هذا إلا وهو أمين، فسُرِّيَ عن أبيهما وصدقها، وظن به الذي قالت، فقال له: هل لك {أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرًا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين} ففعل فكانت على موسى ثمان (١٣) سنين واجبة، وسنتان عدة منه، فقضى

⦗٢٤٩⦘

الله عنه عدته فأتمها عشرًا. قال سعيد بن جبير: فسألني رجل من أهل النصرانية من علمائهم هل تدري أي الأجلين قضى موسى؟ فقلت: لا أعلم -وأنا يومئذ لا علم لي به- فلقيت ابن عباس فذكرت له الذي سألني عنه النصراني فقال: يا ابن جبير، أما كنت تعلم أن ثمان (١٤) واجبة لم يكن نبي الله عنه لينقص منهن شيئا؟ ويعلم أن الله قاض عن موسي عدته التي وعد فإنه قضى عشر سنين؟ فلقيت النصراني بعد ذلك فأخبرته بذلك، فقال: الذي سألته فأخبرك هو أعلم بذلك منك. قلت: أجل أولى (١٥) بذلك.

قال ابن عباس: فلما سار موسي بأهله كان في أمر النار ما قص الله في القرآن وأمر العصا ويده، فشكا إلى ربه ما يتخوف من أهل فرعون في القتيل، وعقدة في لسانه -فإنه كان في لسانه عقدة يمنعه من کثير من الكلام- وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون ليكون له ردءًا، ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به، فآتاه الله سؤله فحل عقدة من لسانه، فأوحي الله إلى هارون فأمره أن يلقي موسي، فاندفع موسى بالعصا فلقيه هارون، فانطلقا جميعا إلى فرعون، فأقاما حينًا على بابه لا يؤذن لهما بعد حجاب

⦗٢٥٠⦘

شديد (١٦). فقالا: {إنا رسولا ربك} {قال فمن ربكما يا موسى} فأخبراه بالذي قص عليك في القرآن، قال: فما تريدان؟ وذكره القتيل فاعتذر منه فقال: أريد أن تؤمن بالله، وأن ترسل معي بني إسرائيل، فأبي عليه ذلك، فقال: ائت {بآية (١٧) إن كنت من الصادقين} فألقى عصاه فتحولت حية عظيمة فاغرة فاها، مسرعة إلى فرعون، فلما رأى فرعون أنها قاصدة إليه خافها، واقتحم عن سريره، واستغاث بموسى أن يكفها عنه، ففعل، ثم أخرج يده من جيبه فرآها {بيضاء من غير سوء} -يعني: من غير برص- ثم أعادها في كمه فصارت إلى لونه الأول، فاستشار الملأ فقالوا {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم (١٨)

من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} -يعنون: ملكهم الذي هم فيه، والعيش- فأبوا على موسى أن يعطوه شيئًا مما طلب، وقالوا: اجمع لهما السحرة، فإنهم بأرضك كثير، حتى يغلب سحرهم سحرهما، فأرسل في المدائن حاشرين، فحشر له كل ساحر متعالم، فلما أتوا فرعون قالوا: بما يعمل هذا الساحر؟ قالوا: يعمل بالحبال والعصي، قالوا: فلا والله ما في الأرض قوم يعملون بالسحر في الحيات بالحبال والعصي ما نعمل منه، فما أجرنا إن غلبناه؟ قال: فقال لهم: أنتم

⦗٢٥١⦘

أقاربي، وخاصتي، وأنا صانع كل شيء أحببتم فتواعدوا {يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى}.

قال سعيد: فحدثني ابن عباس: أن يوم الزينة يوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة، وهو يوم عاشوراء، فلما اجتمعوا في صعيد واحد، قال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا فلنحضر هذا الأمر {لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين} -يعنون بذلك موسى وهارون استهزاء بهما- فقالوا لموسى: -لقدرتهم بسحرهم في أنفسهم-: {إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين} قال: ....... (١٩) قال: {فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} فرأى موسي من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة، فأوحى الله إليه {أن ألق عصاك} فلما ألقاها صارت ثعبانًا عظيمًا، فاغرة فاها، فجعلت العصا تدعوه تلتمس موسى بالحبال حتى صارت جردًا تدخل في فيه

⦗٢٥٢⦘

حتى ما أبقت عصًا ولا حية إلا ابتلعته، فلما رأت السحرة بذلك (٢٠) قالوا: لو كان هذا ساحرًا لم يبلغ من سحرنا كل هذا، ولكن هذا أمر من الله، آمنا بالله، وبما جاء به موسي، ونتوب إلى الله مما كنا عليه، فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه، وظهر الحق {وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين * وألقي السحرة ساجدين} وامرأة فرعون بارزة متبذلة، تدعو بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه، ومن رآها من آل فرعون ظن أنها تبذلت لشفقتها على فرعون وأشياعه، وإنما كان حزنها وهمها لموسي، فلما طال مكث موسى لمواعيد فرعون الكاذبة، كلما جاء بآية وعدها (٢١)

ليرسل معه بني إسرائيل، فإذا مضت أخلفه موعده، وقال: هل يستطيع ربك أن يصنع غير هذا؟ فأرسل الله عليه، وعلى قومه {الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات} كل ذلك يشكو إلى موسى، ويطلب إليه أن يكشفه عنهم، فيكشفه على أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا كشف عنه ذلك نكث

⦗٢٥٣⦘

عهده فيکشف ذلك ويوافقه فإذا کشف ذلك عنه أخلف موعده حتي أمر موسى بالخروج بقومه، فخرج بهم ليلاً، فلما أصبح فرعون فرأى أنهم قد مضوا بعث في المدائن حوله حاشرين، فتبعهم بجنود عظيمة كثيرة، وأوحى الله إلى البحر إذا ضربك عبدي موسى بعصاه فانفرق له ثنتي عشرة فرقة، حتى يجوز موسى ومن معه، ثم التق على من بقي من بعده -فرعون وأشياعه- فنسي موسى أن يضرب بعصاه البحر، فدفعوا إلى البحر، وله قصيف مخافة أن يضربه موسى بعصاه، وهو غافل، فيصير عاصيًا لله {فلما تراءى الجمعان} تقاربا قال قوم موسي: {إنا لمدرکون} فافعل ما أمرك ربك فإنه لم يكذب، ولم تكذب قال: وعدني ربي إذا انتهيت إلى البحر أن ينفرق ثنتي عشرة فرقة حتى أجوز، ثم ذكر بعد ذلك العصا، فأخذ العصا، فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسي، فانفلق البحر كما أمره الله -جل وعز- به، وكما وعده موسي، فلما جاز أصحاب موسي کلهم التقى البحر عليهم فغرقهم كما أمر، فلما جاوز البحر موسي قال أصحاب موسى: إنا نخاف أن لا يكون غرق، ولا نؤمن بهلاکهـ، فدعا ربه موسي، فأخرجه لهم ببدنه من

⦗٢٥٤⦘

البحر حتى استيقنوا، ثم مروا بعد ذلك {على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون} فقد رأيتم من العبر ما يكفيكم، وسمعتم به، فمضوا حتى أنزلهم موسي منزلاً، ثم قال لهم: أطيعوا هارون فإني قد استخلفته عليكم، وإني ذاهب إلى ربي، وأجلهم ثلاثين يوما أن يرجع إليهم فيها، فلما أتى ربه، وأراد أن يكلمه في ثلاثين يومًا، وقد

صامهن ليلتهن (٢٢) ونهارهن، فكره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم، فتناول موسي من نبات الأرض شيئًا فمضغه، فقال له ربه حين أتاه: لم أفطرت؟ -وهو أعلم بالذي كان-.

قال: يا رب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح. قال: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك؟ ارجع حتى تصوم عشرة أيام، ثم ائتني، ففعل موسى الذي أمره ربه، فلما رأى قوم موسى أنه لم يأتهم ساءهم ذلك، وكان هارون قد خطبهم، وقال لهم: إنكم خرجتم من مصر وعندكم ودائع لقوم فرعون وعواري، ولكم فيها مثل ذلك، وإني أرى أن تحتسبوا ما كان لكم عندهم، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها أو عارية، ولسنا برادي (٢٣) شيئا من ذلك إليهم، ولا ممسكيه

⦗٢٥٥⦘

لأنفسنا، فحفروا حفيرة، وأمر كل قوم عندهم شيء من ذلك من متاع، أو نحاس، أو حلي أن يقذفه في تلك الحفيرة، ثم أوقد عليه النار فحرقه، فقال: لا يكون لنا ولهم (٢٤).

وكان السامري رجلاً من قوم يعبدون البقر، كانوا جيران بني إسرائيل، وليس منهم، فاحتمل مع بني إسرائيل حين احتملوا، فقضي لهم أن رأى أثر الفرس، فأخذ منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون ألا تلقي ما في يدك؟ وهو قابض عليه ألا يراه أحد طوا (٢٥) ذلك، فقال: هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر، فلا ألقيها لشيء إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها أن يكون ما أريد، قال: فألقاها، فدعا ربه هارون فقال: إني أريد أن يكون عجلاً، فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع، أو نحاس، أو حلي، أو حديد، فصار عجلاً أجوف ليس فيه روح، له خوار، فقال ابن عباس: والله ما كان له صوت قط، ولكن الريح كانت تدخل في دبره فتخرج من فيه، فكان ذلك الصوت من ذلك. وتفرق بنو إسرائيل فرقًا، فقالت فرقة: يا سامري، ما هذا فإنك أنت أعلم به؟ قال: هذا ربكم، ولكن موسى أخطأ الطريق، فقالوا: لا نكذب بهذا {حتى يرجع إلينا موسي} فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه، ولا عجزنا فيه حين رأيناه، وإن لم يكن ربنا فإنا نتبع قول موسى، وقال فرقة: هذا من عمل الشيطان، وليس بربنا، فلا نؤمن به، ولا نصدق، وأشرب فرقة في قلوبهم التصديق بما قال السامري في العجل، وأعلنوا التكذيب، وقال لهم

⦗٢٥٦⦘

هارون: {يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن} ليس هكذا. قالوا: فما بال موسي وعدنا ثلاثين ليلة، ثم أخلفنا، فهذا أربعين (٢٦)

ليلة؟ فقال سفهاؤهم: أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه، فلما كلم الله موسي، وقال له ما قال أخبره بما لقي قومه من بعده {فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا فقال لهم: ما سمعتم في القرآن، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وألقى الألواح من الغضب، ثم انه عذر أخاه بعذره، واستغفر له، وانصرف إلى السامري، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: قبضت قبضة من أثر الرسول وفطنت لها، وعميت عليهم، فقذفتها {وكذلك سولت لي نفسي} {قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدًا لن تخلفه وانظر إلى إلهك} إلى آخر الآية، ولو كان إلهًا لم يخلص إلى ذلك منه، فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، واغتبط الذين كان رأيهم مثل رأي هارون، وقالوا بجماعتهم لموسي: سل ربك أن يفتح لنا باب توبة نصنعها يكفر بها عنا ما قد علمت، فاختار موسي من قومه سبعين رجلا لذلك لا يألوا الخيّر فالخيّر، خيار بني إسرائيل، ومن لم يشرك في العجل، فانطلق بهم يسأل ربه التوبة لقومه، فرجفت بهم الأرض، فاستحيا نبي الله من قومه ووفده حين فعل بهم ذلك فقال: {رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا}.

ومنهم قد أطلع الله نبيه -عليه السلام- على ما أشرب قلبه حبًا للعجل والإيمان به؛ فلذلك رجفت بهم الأرض قال الله: {رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون

⦗٢٥٧⦘

* الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا} الآية. فقال: رب سألتك التوبة لقومي فقلت: إن رحمتك كتبتها لقوم غير قومي، فليتك أخرتني حتى تخرجني حيًا في أمة ذلك الرجل المرحومة، فقال الله: فإن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم كل من لقي من والد أو ولد، فيقتله بالسيف، ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن، فتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون ما اطلع الله عليهم (٢٧) من ذنوبهم، فاعترفوا بها، وفعلوا ما أمروا به، فغفر الله للقاتل والمقتول، ثم سار بهم متوجهًا نحو الأرض المقدسة، فأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب، فأمرهم بالذي أمره الله -جل جلاله- أن يبلغهم من الوظائف والفرائض فثقلت عليهم، (وغلبهم) وأبوا أن يقروا بها حتى نتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم، وهم مصغون ينظرون إلى الأرض والكتاب الذي أخذته أيديهم، وهم ينظرون إلى الجبل مخافة أن يقع عليهم، ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة، فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون خلقهم خلق منكر وذكروا من بلادهم أمرًا عجبًا من عظمها و {قالوا يا موسى إن فيها قومًا جبارين} لا طاقة لنا بهم فلا ندخلها أبدًا ما داموا فيها {فإن يخرجوا منها فإنا داخلون}.

قال رجلان من الجبارين آمنا بموسى فخرجا إليه فقالا: نحن أعلم

⦗٢٥٨⦘

بقومنا، إن كنتم إنما تخافون ما رأيتم من أجسادهم وعدتهم، فإنهم لا قلوب لهم، ولا منعة عندهم فادخلوا {عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون} وقال أناس: إنهما من قوم موسي.

وزعم سعيد بن جبير أنهما من الجبارين آمنا بموسى يقول: {من الذين يُخافون} إنما يعني بذلك من الذين يخافهم بنو إسرائيل فقالوا {يا موسى إنا لن (٢٨) ندخلها أبدًا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون} فأغضبوا موسي فدعا عليهم فسماهم فاسقين، ولم يدع قبل ذلك لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذ فاستجاب الله له فسماهم كما سماهم فاسقين فحرمها {عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض} يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار، ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام وأنزل عليهم المن والسلوي، وجعل لهم ثيابًا لا تبلي ولا تتسخ، وجعل بين ظهرانيهم حجرة مربعًا أمر موسي فضربه بعصاه

{فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا} في كل ناحية منه ثلاث عيون، وأعلم كل سبط عينهم التي منها يشربون، ولا يرتحلون من منقلة إلا

⦗٢٥٩⦘

وجدوا ذلك الحجر منهم بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الأول.

رفع ابن عباس هذا الحديث إلى النبي وصدق ذلك عندي أن معاوية بن أبي سفيان سمع ابن عباس يحدث بهذا الحديث فأنكر عليه أن يكون الفرعوني هو الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل قال: كيف يفشي عليه ولم يكن علم به أحد إلا الله والإسرائيلي الذي حضر ذلك؟ فغضب ابن عباس فأخذ بيد معاوية فانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري فقال له: يا أبا إسحاق أرأيت يوم حدثنا رسول الله صلي الله عليه عن قتيل موسي الذي قتل من آل فرعون؛ الإسرائيلي أفشى عليه؟ أم الفرعوني؟ فقال: إنما أفشى عليه الفرعوني بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد ذلك وحضره.


(١) الصواب: (يبعث).
(٢) الصواب: (يوشك) أو (توشكون).
(٣) الصواب: (الذي).
(٤) الصواب: (ما دخل).
(٥) الصواب: (من أن ألقيته).
(٦) الصواب: (بعضهن).
(٧) الصواب: (عين).
(٨) الصواب: (نزا).
(٩) الصواب: (عليها).
(١٠) الصواب: (إلى أحد من).
(١١) الصواب: (للإسرائيلي).
(١٢) الصواب: (فانصرفتا).
(١٣) الصواب: (ثماني).
(١٤) الصواب: (ثمانيًا).
(١٥) الصواب: (وأولى).
(١٦) الصواب: (فأذن لهما بعد حجاب شديد).
(١٧) في الأصل: (به).
(١٨) في الأصل: (يريدان يخرجاكم).
(١٩) بياض في الأصل، وفي المصادر: {قال بل ألقوا}.
(٢٠) الصواب: (ذلك).
(٢١) الصواب: (وعده).
(٢٢) الصواب: (ليلهن).
(٢٣) الصواب: (برادين).
(٢٤) الصواب: (ولا لهم).
(٢٥) الصواب: (طوال).
(٢٦) الصواب: (فهذه أربعون).
(٢٧) الصواب: (عليه).
(٢٨) في الأصل: (لم).


Beberapa bagian dari Terjemahan di-generate menggunakan Artificial Intelligence secara otomatis, dan belum melalui proses pengeditan

Untuk Teks dari Buku Berbahasa Indonesia atau Inggris, banyak bagian yang merupakan hasil OCR dan belum diedit


Belum ada terjemahan untuk halaman ini atau ada terjemahan yang kurang tepat ?