وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ ... (١٨٠)
أوتوا العلم بالكتاب أن ما يؤتون من المال، وينالون من النيل بكتمان بعث مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وصفته وتحريفهما - أن ذلك، خير لهم.
(بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ)
وفي الدنيا والآخرة، ولو لم يكتموا كان خيرًا لهم في الدنيا ذكرًا وشرفًا، وفي الآخرة ثوابًا وجزاء.
وقيل: نزلت في مانعي الزكاة؛ بخلًا منهم وشحًا؛ فذلك وعيد لهم. والأوّل أشبه، واللَّه أعلم. وإن كان في الزكاة - قيل: الجحود بها؛ كقوله - تعالى -: (الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ):
فإن كان على التأويل الأول من كتمان نعته وصفته؛ فهو - واللَّه أعلم - يطوق ذلك في عنقه يوم القيامة؛ ليعرفه كل أحد؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ).
وإن كان على التأويل الثاني - قيل: إن الزكاة التي منعها تصير حية ذكرًا شجاعًا أقرع ذو ذنبتين، يعني: نابين؛ فيطوق بها في عنقه، فتنهشه بنابيها؛ فيتقيها بذراعيه، حتى يُقضَى بين الناس، فلا يزال معه حتى يساق إلى النار، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ):
في الآية دلالة أن أهل السماوات يموتون، ليس على ما يقوله القرامطة: إنهم لا يموتون؛ لأنه أخبر أن له ميراث السماوات والأرض، والوارث هو الذي يخلف المورَث؛ دلّ أنه ما ذكرنا، وإن كانوا هم وجميع ما في أيديهم لله - عَزَّ وَجَلَّ - ملكًا له وعبيدًا؛ ألا ترى أنه روي في الخبر: " لَا يَرِثُ الكَافِرُ الْمُسلِمَ، وَلَا الْمُسلِمُ الكَافِرَ، إِلا المَوْلَى مِنْ عبدهِ " سمى ما يكون للمولى من عبده ميراثا، وإن كان العبد وما في يده ملكا للمولى: