ثم احتج بعضهم بالآيات التي فيها: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ)، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ)، لتوجيه ذلك الحق هاهنا وقد دخل جواب هذا فيما قلنا: إن الحكم في غيره موقوف على الدليل فيه منعنا لا بهذا، مع ما بينا دليل ما نحن فيه ليس بشرط؛ ألا ترى أنه ذكر شرط الإيمان في المحصنات؟! ومن لم يصر شرطًا وقد صار في الكفارات ونحو ذلك؛ فمثله ما نحن فيه.
ثم الفصل بين الأمرين يقع من وجوه:
أحدها: أن تلك بحق الإبدال والاضطرار؛ دليله: زوال حكمه عند الارتفاع وفي هذا إلا ألا يرتفع لنكاح الحرة؛ فلذلك اختلف الأمران، ولو جعلنا الأمر به في حال أو الإشارة بالحل إليها دليلًا على النهي عن ذلك كان نهيا عن نكاح الإماء في حال طول الحرائر؛ فلا يحتمل أن يكون النهي مبطلا للفعل لأوجه:
أحدها: أن المعنى الذي له يقع النهي كان معقولاً، وبمثله لا يحتمل الفساد، وذلك يخرج على وجهين:
أحدهما: أن يرق ولده.
والثاني: أن تخالط امرأته الرجال، وذلك بعض ما يشين الرجل.
ثم كان نكاح الزانية مع النهي عن ذلك يجوز، ومع الأمر بطلاقها ومعلوم أن ذلك أعظم في الشين؛ إذ قد ظهر به ما يخافه في المملوكة، ويصير ولده مشتوما بأمه ما هو أوخش في العقول من كل رق وعبودة ويقال له: يا ابن الزانية، وذلك -أيضًا- تلبيس النسب وشبهه، ثم لم يجب به الفساد؛ فأمر المملوكة بالأحرى.
وأيضا لم يختلف على نهي الحرمة عن نكاح العبيد، وله يفرق الأولياء، ويصرف حق نسب الآباء إلى الموالى؛ إذ معلوم أن الطعن عليهن في الخلاف قبح منه عليهم، ثم لم يمنع ذلك جواز النكاح؛ فمثله ما نحن فيه.
وأيضًا إن الحرمة على وجهين: حرمة لنفس المنكوحة أو الاستمتاع وحرمة لحق النكاح، وكل محرمة لذاتها فهي لا تحل بملك اليمين ولا بملك النكاح، وما كانت الحرمة بحيث النكاح تحل، فإذا كانت الأمة تحل بملك اليمين ثبت أن حرمتها ليست لنفسها ولا للاستمتاع فهي تحل بملك اليمين، بل حلها في الأصل بملك النكاح أحق؛ إذ