أُوتُوا الْكِتَابَ)، ثم قال: إذا كان له طول محصنة كتابية لم يحل له نكاح الأمة المؤمنة، وقد أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن الأمة المؤمنة خير من مشركة، وهو يقول: بل المشركة خير من الأمة؛ فهذا يدل على اضطراره في قوله على مذهبنا ما قلنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) الآية، على المشركات خاصة من غير الكتابيات عندنا؛ دليله: قوله - تعالى -: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ. . .)، ذكر المشركات وذكر الكتابيات؛ دل هذا أن المشركات في هذه الآية غير الكتابيات، وقد ذكرنا الوجه في ذلك في صدر السورة ما يغني عن ذكره في هذا الموضع.
فإن كان ما ذكرنا - حل له أن يتزوج كتابية محصنة كانت أو أمة، وقد أقمنا الدليل على أن ليس في ذكر الإيمان فيهن دليل جعله شرطًا في جواز نكاحهن؛ على ما لم يكن في ذكر الإيمان، في المحصنات من المؤمنات دليل جعل الإيمان فيهن شرطًا.
وقوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ)، أي: هو أعلم بحقيقة إيمانهن وأنتم لا تعلمون حقيقته، وإن كان أثبت لنا علم الظاهر بقوله - تعالى -: فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)، أمرنا بالعمل بعلم الظاهر، لا بعلم الحقيقة بقوله: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)؛ فهذا يدل على أن الإيمان هو عمل القلب، لا عمل اللسان؛ لأنه لو كان عمل اللسان لكان يعلم حقيقته كل أحد؛ فظهر أنه ما وصفنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) قيل فيه وجوه:
بعضكم من بعض في الولايات في الدِّين، كقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
وقيل: بعضهم من بعض في النسب؛ إذ كل منهم من أولاد آدم.
ويحتمل: بعضكم من بعض قبل الإسلام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)