يتَفْرَّقَا " - لكن معناه عندنا: أن يقول الرجل للرجل: بعتك عبدي بكذا، فلصاحبه أن يقول: قبلت البيع، ما دام في مجلسه.
أو يحتمل: أن يكون إذا قال: بعتك، كان له الرجوع قبل أن يقول الآخر: قبلت.
على أن قوله - عليه السلام -: " مَا لَم يتَفْرَّقَا "، لا يوجب أن يكون تفرقًا عن المكان وتفرق الأبدان؛ ألا ترى أن اللَّه - سبحانه وتعالى - قال: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ)، ولا يفهم المعنى من ذلك تفرق المكان والأبدان؛ ولكن وقع ذلك على القول والطلاق.
على أن في الآية بيان تمام البيع بوجود التراضي بقوله: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ). ومما يدل على ذلك -أيضًا-: قوله - تعالى -: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ)، فلو كان البيع لا يتم بالتراضي؛ فمتى يشهد: قبل التفرق أو بعد التفرق؟ إن أشهد قبل التفرق، فهل المقر صادق في أن لصاحبه عليه الثمن أو كاذب؟ إذ كان البيع لم يتم، وما ينفعه الإشهاد إن كان للمقر أن يبطل إقراره برد السلعة.
وإن كان إنما يشهد بعد التفرق فقد يجوز أن يتلف المال بالتفرق قبل الإشهاد؛ فأين التحصين الذي أمر اللَّه تعالى؟!
ومما يدل على تأويلنا في الخبر: ما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الْبَيعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَم يَتَفَرقَا مِنَ بَيعِهِمَا، أَوْ يَكُونُ بَيّنَهُمَا خِيَارٌ "، وما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الْبَيعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَم يَتَفَرقَا، وَلَا يَحِل لِأَحَدٍ أَنْ يُعَجلَ فِرَاقَهُ خشية أَنْ يَستَقيلَهُ ".
وقوله: " يستقيله " يدل على أن ليس له أن يرده إلا بأن يقيله صاحبه؛ ويدل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَالَم يَتَفْرقَا مِنْ بَيعِهِمَا " - على أن التفرق هو الفراغ من عقد البيع لا غيره.
ومما يدل على أن الخيار ليس بواجب: قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن البيع عن صفقة أو خيار؛ فكان موافقًا لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: دل قوله - تعالى -:
(لَا تَأكُلُوا. . .) إلى قوله: (تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) - على الإذن في الأكل إذا وجدت التجارة عن تراض من الناس، والتجارة معروفة عند جميع من له عقل، ومعروف أن تفرق