وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " عَلَى الْمَرءِ الْمُسْلِمِ السمعُ وَالطاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعصِيةٍ، فَمَنْ أُمِرَ بِمَعصِيَةٍ فَلَا سَمعَ عَلَيهِ وَلَا طَاعَةَ ".
وبعد: هذه الآية والتي تليها تدل على أن أولي الأمر هم الفقهاء، وهو قوله - تعالى -: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، والتنازع يكون بين العلماء؛ فكأنه - واللَّه أعلم - أمر في آية أولي الأمر بطاعتهم، وأمر أولي الفقه برد ما يختلفون فيه إلى كتاب اللَّه - تعالى - وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
والآية تحتمل المعنيين - واللَّه أعلم -: أن على العامة طاعة أمرائهم في أحكامهم، وعليهم اتباع علمائهم في فتواهم؛ يبين ذلك قول اللَّه - تعالى -: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ. . .) الآية، فلو لم يجب على قومهم قبول قول علمائهم ما وجب عليهم إنذار قومهم.
وفي هذه الآية دليل على إبطال قول الرافضة في الإمامة؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فليس يخلو أولو الأمر من أحد ثلاثة أوجه:
إما أن يكون الأمراء، أو الفقهاء، أو الإمام الذي تدعيه الرافضة، فإن كان المعنى في أولي الأمر: الفقهاء أو الأمراء، ففيه إبطال قول الرافضة: إنه الإمام الذي يصفونه، ومحال أن يكون ذلك هو الإمام الذي يذكرونه؛ لأنه قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، وذلك الإمام عندهم طاعته مفترضة، وهم بين أظهر المتنازعين عندهم، ومخالفته كفر في مذهبهم، فلو كان ذلك كذلك، لقال - واللَّه أعلم -: " فردوه إلى الإمام؛ فإن من خالفه فقد كفر "، ولكنه - عَزَّ وَجَلَّ - أمر برد المتنازع إلى كتاب اللَّه - تعالى - وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فدل على أن قول أحد لا يقوم في الحجة مقام قول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) قيل: (إِلَى اللَّهِ)، أي: إلى كتاب اللَّه، أو إلى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا كان حيًّا، فلما مات، فإلى سنته.