الكلامي أو الاعتقادي الذي رضيه لنفسه.
إذن فإن التكوين الفكري للأشعري نفسه كان يحمل بذور الشك في الفكر الاعتزالي وينطوي على أسباب الثورة والتمرد عليه، على نحو ينتفي معه العجب من تحوله عن مذهب المعتزلة.
وثمة أمر آخر قد يحسن بنا أن نشير إليه في هذا المقام، هو أن الأشعري كان معجبًا بتوسط الإمام الشافعي في آرائه الفقهية بين أهل الرأي وأهل الحديث، فحاول هو أن يقوم بدور الشافعي في علم الكلام بأن يوازن بين العقل والنقل أو بين غلو المعتزلة في العقل ووقوف بعض الحنابلة عند النقل.
ومن هذه النقطة نفسها ننطلق إلى بيان نقد الأشعري للمعتزلة والحشوية جميعًا:
أولًا: نقد الأشعري للمعتزلة:
لم يكتف الأشعري بالتحول عن الاعتزال حين انقدح له الرأي في مذهبهم بعد نظر وتأمل، بل طفق يهدم هذا المذهب، ويقوض أركانه ودعائمه، ويفند ما يستند عليه من أدلة وبراهين، ويكتسب نقد الأشعري للمعتزلة أهمية خاصة من كونه قد انتسب للمعتزلة فترة غير قصيرة، وانتحل نحلتهم انتحالًا أتاح له الوقوف على نقاط ضعفه وأسباب تهافته، فكان نقده لهم نقد العالم الخبير المستند إلى رصيد ضخم من المعرفة بما ينقد.
والناظر في منهج الأشعري وموقفه من المعتزلة ومناظرته لهم يتبين له أن قوام نقده للمعتزلة إنما هو الإسراف في الاعتداد بالعقل وتقديمه على النص، والاستناد إليه في كل أمر من أمور الاعتقاد، فأقحموه بذلك في ميدان وعرٍ تضل فيه الأفهام إذا لم يكن رائدها الوحي، وتزل فيه الأقدام إذا تخلت عن النقل.
وقد أداهم ذلك إلى آراء خاطئة تخالف ما اصطلح عليه جمهور الأمة، فنفوا عن الحق سبحانه وتعالى الصفات التي أثبتها القرآن الكريم والسنة المطهرة.
والناس في نظر المعتزلة خالقون لأفعالهم سواء كانت شرًّا أم خيرًا، متمتعون بحرية الإرادة سواء خالفت مراد اللَّه من الخلق أم اتفقت معه.
ويترتب على قول المعتزلة أن الناس مشاركون لله تعالى في أخص صفاته وهي الخلق، وهو ما تأباه العقيدة الصحيحة؛ إذ لا خالق في الكون إلا اللَّه، فلا غرو أن كان