(لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا)، وحيث قال: (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
وقال غيرهم ما ذكرنا على التقديم والتأخير: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به إلا قليلا منهم، واللَّه أعلم بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ... (٨٤)
قوله: (لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) يحتمل وجهين:
أي: ليس عليك حسابهم ولا جزاء تخلفهم، إنما حساب ذلك عليهم؛ كقوله - عز وجل -: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)، وكقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ).
والثاني: (لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ)
أي: تكلف أنت بالقتال والجهاد، وإن تخلف هَؤُلَاءِ عن الخروج معك؛ يؤيد ذلك ما روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: هذا حين استنفر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أصحابه - رضي الله عنهم - بوعد أبي سفيان بدرا الصغرى، فخذله الناس؛ فأنزل اللَّه - تعالى - هذه الآية؛ فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لَأخْرُجَن إِلَى بَدْرٍ وَإِنْ لَم يتبِعْنِي أَحَدٌ مِنْكُم "، فاتبعه أقل الصحابة - رضي اللَّه عنهم - وقالوا: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
وفيه دليل وعد النصر له والفتح، والنكبة على الأعداء؛ لأنه تكلف الخروج وحده؛ فلو لم يكن وعد النصر له - لم يؤمر بالخروج؛ ألا ترى أنه قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، و " عسى " من اللَّه - تعالى - واجب.
وفي قوله - تعالى -: (عَسَى اللَّهُ) وعد نصره وإن خرج وحده؛ إذ الـ " عسى " هو من اللَّه واجب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: و (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) يحتمل وجوهًا:
يحتمل: حرض المؤمنين بالثواب لهم وكريم المآب على ذلك.
ويحتمل قوله - تعالى -: و (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ)؛ لما في القتال معهم إظهار دين اللَّه - الإسلام - وفي ترك المجاهدة والقتال معهم نصر العدو عليهم، وإظهار دينهم، أمر - عز وجل - رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ليرغبهم في مجاهدة أعدائهم.