وهي دية المؤمن؛ فيصير كأن البيان في الآية، ومعلوم أنه لو كان - لكان يأخذ الكل، إلا أن يجيء التفريق على ما ذكر من أمر الصيام وحق التوبة، وأن ذكر الآحاد في حق بيان التضمين كذلك في الكل الدية على حد واحد مع ما استوى أمر الكفارة فيما له حق البيان التام أو بيان الكفاية، فعلى ذلك الأول، وأيد ذلك وجهان:
أحدهما: أن الدية بمبلغها كانت في الجاهلية فأقرت على ذلك في الإسلام، وكذلك حق القسامة، وكانت كذلك في أهل الكفر عند الأمان، فعلى ذلك اليوم، أو يلزم الذي عرف حتى يظهر؛ ولذلك - واللَّه أعلم - لم يجز في الأمر البيان؛ لأنه كان على معروف، وأيد ذلك جميع الأمور المنقسمة، من نحو الحدود بين العبيد والأحرار في التفريق، والديات بين الذكور والإناث؛ أنه يجب ذلك الانقسام في أهل الكفر، فعلى ذلك حد الجملة والنصف.
والثاني: خبر ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - في العامريَّين، وعلى ذلك جاء عن عمر، وعلى - رضي اللَّه عنهما - وما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فهو في الوقت الذي بلغت قيمة الإبل أربعة آلاف، وسنذكر ذلك.
ثم الأصل: أن البدل حق المتلف، والإسلام والكفر أمران يرجعان إلى الدِّين والمذاهب، والناس لا يملكون الزيادة والنقصان من الأبدال لأنفسهم؛ لأنه لا بهم جعلت الدية، لكن بالشرع؛ فبه يُعرف التفريق والجمع، فما لم يثبت التفريق والمعنى في كل نفس من المنافع وإليها ما في غيرها لزم الجمع حتى يجيء علم التفريق.
والأصل: أن البدل أمر يرجع إلى منافع تقع للمجني عليه مكان ما ذهب منه، أو لغيره فيما يدخل عليهم من النقصان بفوت نفسه، ثم كل أمر مجعول للمنافع فالنظر فيها إلى قدر المنافع عند أهلها، وأهل الذمة أحق بالزيادة؛ لتعجيل المنفعة لهم في الدنيا؛ إذ لا حظ لهم في الآخرة.
وقد زعم الشافعي أن العبد لو بيع على أنه كافر فوجده مسلمًا أنه عيب يرد منه؛ فيصير الإسلام عيبًا في قيمته؛ فلا يجيء أن يكون الحر منهم أقل قيمة من الحر منا، ومحل الدِّين ما ذكرت، فهذا - وإن كان القول به منه شنيعًا - لا يجوز أن يحتج به، فهو في موضع التنبيه، وقوله يلزمه، كقوله - سبحانه وتعالى -: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فحاجهم بالذي عند أئمتهم، فعلى ذلك يحاجُّ بالذي عنده، ولا قوة