يحتمل من أحسن دينا من المسلمين ممن يعمل جميع عمله موافقا لدينه - ممن لم يعمل؟! بل الذي عمل بجميع عمله موافقا لدينه - أحسن دينا من الذي لم يعملِ شيئا، وهو كما روي في الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه، قال: " لَوْ وُزنَ إِيمَانُ أبِي بَكْرٍ الصديقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإيمان جميع أمتي، لرجح إيمانه " وقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " قويٌّ في دينه، ضعيفٌ في بدنه "؛ ألا ترى أنه خرج لمقاتلة أهل الردة وحده؟! وذلك لقوته في الدِّين وصلابته فيه، لا لزيادة الإيمان، ولا لنقصان إيمان في غيره، واللَّه أعلم.
والثاني: مقابلة سائر الأديان، أي: ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله - ممن لم يسلم وجهه لله. . . إلى آخر ما ذكر، واللَّه أعلم.
ثم قوله - تعالى -: (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)، عن الحسن قال: أسلم جميع جهة أمره إلى اللَّه، أي: جميع ما يعمل إنما يعمل للَّهِ، لا يعمل لغير اللَّه.
وقيل: (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)، أي: أخلص نفسه لله، ولا يجعل لأحد فيها شركا؛ كقوله - تعالى -: (وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ)، الآية، أي: يسلم نفسه له، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ مُحْسِنٌ) - يحتمل وجهين:
يحتمل: قوله: (وَهُوَ مُحْسِنٌ): يحسن ما يعمل، أي: جميع ما يعمل؛ لعلمٍ له فيه.
ويحتمل قوله: (وَهُوَ مُحْسِنٌ): من الإحسان، وهو أن يزيد العمل على المفروض عليه: يؤدي المفروض عليه، ويزيد على ذلك أيضًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)
الملة: قيل: هي الدِّين.
وقيل: الملة: السنة، وكأن السنة أقرب؛ لأن دين الأنبياء - صلى اللَّه عليهم وسلم - كلهم واحد، لا يختلف دين إبراهيم - عليه السلام - ودين غيره من الأنبياء، عليهم السلام.