وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)
أي: لا أحد يملك من دون اللَّه شيئًا، إن أراد إهلاك (الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ. . .) الآية، أي: لو كان إلهًا -كما تقولون- لكان يملك دفع الإهلاك عن نفسه وعن أمه ومن عبدهما في الأرض.
وقيل: فمن يملك أن يمنع من اللَّه شيئًا من عذابه إن أراد أن يهلك المسيح بعذاب، وأمُّه ومن في الأرض جميعًا بعذاب أو بموت؟! وهما واحد.
ثم عطم نفسه عن قولهم ونزهها حين قالوا: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)، فقال: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
أي: كلهم عبيده وإماؤه، يخلق ما يشاء من بشر وغير بشر.
(وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
أي: قادر على خلق الخلق من بشر ومن غير بشر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ... (١٨)
يحتمل أن يكون هذا القول لم يكن من الفريقين جميعًا، ولكن كان من أحد الفريقين هذا، ومن الفريق الآخر غيره، وكان كقوله - تعالى -: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) كأن هذا القول: كان كل فريق نفى دخول الفريق الآخر الجنة، لا أن قالوا جميعًا: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى).
ويحتمل: أن كان من النصارى (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ)؛ لما ذكر في بعض القصة أن عيسى - عليه السلام - قال لقومه: " أدعوكم إلى أبي وأبيكم الذي في السماء "؛ فقالوا عند ذلك: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ)، وكان من اليهود: " نحن أحباء اللَّه ".
ويحتمل: أن يكون هذا القول كان منهما جميعًا، قال كل واحد من الفريقين: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
وقيل: إنهم قالوا ذلك في المنزلة والقدر عند اللَّه تعالى، أي: لهم عند اللَّه من المنزلة والقدر كقدر الولد عند والده ومنزلته عنده، ولا يعذبنا، فقال: قل يا مُحَمَّد: (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ)
إن كان ما تقولون حقا فلم يعذبكم؟! حيث جعل منكم القردة والخنازير، ولا أحد من