التكليف به لارتفاع العجز المانع أصلًا ".
وبعد عرض رأي كل من الماتريدية والأشعرية يظهر لنا أن الماتريدية والأشعرية متفقون في حكم أقسام التكليف ما عدا التكليف بالمحال لغيره، وهو أدنى مراتب التكليف بما لا يطاق، فقد ذهب الماتريدية إلى منعه إلا في المقدور على إتيانه، أما ما لا يمكن إتيانه فلا تكليف فيه، لكن الأشعرية قد ذهبوا إلى جوازه؛ لأن قدرة اللَّه تعالى قدرة مطلقة.
المسألة الثانية: الثواب والعقاب
من الواضح أن كلًّا من السادة الماتريدية والأشاعرة يتفقان في القول بعدم جواز تعذيب المطيع وإثابة العاصي.
أما محل الخلاف بينهما فهو في المدرك، حيث ذهب الماتريدية إلى أن المدرك لذلك هو العقل والشرع.
وأما الأشاعرة فذهبوا إلى أن المدرك لذلك هو الشرع.
وقد ترتب على ذلك أن الماتريدية منعوا جواز تعذيب المطيع وإثابة العاصي، بينما أجاز ذلك الأشعرية، وفي ذلك خلاف سنفصل القول فيه على ما يلي:
الماتريدية:
لقد ذهب الماتريدية إلى القول بمنع تعذيب المطيع عقلاً أو شرعًا.
يقول الإمام أبو حنيفة: " لا يجوز مطلقًا لا عقلًا ولا شرعًا أن يعذب اللَّه تبارك وتعالى العبد الطائع؛ إذ لا يجوز في بداهة العقل أن يعذب اللَّه تبارك وتعالى المطيع ".
وجاء في المسايرة لابن الهمام: " القول في تجويز تعذيب المحسن عقلًا عدمه، فوقوع ذلك منه تعالى مقطوع بعدمه وفاقًا بالشرع ".
الأشعرية:
أما الأشعرية فيذهبون إلى جواز تعذيب اللَّه تعالى للعبد الطائع وإدخاله النار عقلاً، وإدخال الكافر الجنة، كما أن لله تعالى إيلام البهائم والأطفال والمجانين؛ لأنه عدل في حكمه متصرف في ملكه.