الحرمة؛ ألا ترى أنه قال: (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا)، ولم يقل: جزاء بما أخذا من الأموال؟! فيجوز أن يبلغ جزاء تلك الحرمة قطع اليد، وإن قصر علم البشر عن ذلك؛ لأن مقادير العقوبات إنما يعرف من يعرف مقادير الإجرام، وليس أحد من الخلائق يحتمل علمه مبلغ مقادير الإجرام، فإذا لم يحتمل علمهم مبلغ مقاديرها لم يحتمل معرفة مقادير عقوباتها، فإذا كان كذلك فحق القول فيه الاتباع والتسليم - بعد العلم في الاتباع - أن اللَّه لا يجزي بالسيئة إلا مثلها، وباللَّه التوفيق.
ثم الكلام في قطع اليمين ما روي في حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " فاقطعوا أيمانهما ".
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال: " إذا سرق الرجل قطعت يده اليمنى "، وعلى ذلك اتفاق الأمة.
ثم المسألة في مقدار السرقة، وليس في الآية ذكر مقدارها، واختلف أهل العلم في ذلك:
فقَالَ بَعْضُهُمْ: تقطع في ربع دينار فصاعدًا.
وقال أصحابنا: لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم فصاعدًا أو دينار.
وقد روي من الأخبار ما احتج به كل فريق منهم:
روي عن عائشة - رضي اللَّه عنها - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يقطع في ربع دينار فصاعدًا.
وعنها أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " تُقْطَعُ يَدُ السارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ".