إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
الذين أسلموا، أو من الأحبار من قد أسلم. أخبر أن النبيين والأحبار الذين أسلموا يحكمون بما في التوراة (لِلَّذِينَ هَادُوا)، أي: على الذين هادوا؛ (لِلَّذِينَ) بمعنى: على الذين؛ وهذا جائز في اللغة؛ كقوله: (وَإِنْ أَسَأتُم فَلَهَا)، أي: فعليها.
وقيل: (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا)، أي: أسلموا أمرهم وأنفسهم لله، وخضعوا له، حكموا بما فيها، وإن خافوا على أنفسهم الهلاك (لِلَّذِينَ هَادُوا) إن أطاعوا اللَّه، وقبلوا ما فيها من الحكم؛ فعند ذلك يحكم لهم.
وقوله: (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ)
هو طلب الحفظ، أي: بما جعل إليهم الحفظ.
(وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ).
أي: شهداء على ما في التوراة من الحكم.
ويحتمل: شهداء على حكم رسول اللَّه الذي حكم عليهم، أنه كذلك في التوراة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ) فيما تحكم عليهم، (وَاخْشَوْنِ) أمن رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شرهم ونكبتهم، وأمر أن يخشوه؛ يكفيه شرهم وأذاهم.
ثم اختلف في الأحبار والربانيين: قَالَ بَعْضُهُمْ: " الرَّبَّانِيُّونَ ": علماء اليهود، " والأحبار ": علماء النصارى. وهما واحد سموا باسمين مختلفين.
وقيل: قوله: (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) إنما خاطب علماءهم، أي: لا أتخشوا الناس، أن تخبروهم بالحكم الذي في التوراة واخشون.
(وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا)
لهم خرج الخطاب بهذا على التأويل الثاني.
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
هكذا من جحد الحكم بما أنزل اللَّه ولم يره حقًّا فهو كافر.
ذكر في القصة أن الآية نزلت في قتيل كان بين بني قريظة وبني النضير: أن بني النضير إذا قتلوا من بني قريظة لم يرضوا إلا بالقود، والأخرى إذا قتلت أحدًا منهم كانوا لم يعطوهم القود، ولكن يعطوهم الدية؛ فنزل: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ