متعمدًا لقتله، ذاكرًا لإحرامه - لم يحكم عليه.
وكذلك روي عن الحسن أنه قال: متعمدا لصيده، ناسيًا لإحرامه، وقال: (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) متعمدا للصيد، وذاكرًا لإحرامه؛ فكأنهم ذهبوا إلى أن المحرم لا يقصد قصد الصيد وهو ذاكر لإحرامه. أحسنوا الظن به.
وعندنا: أن الإحرام مما لا يجوز أن يخفى على المحرم وينساه؛ لأن للإحرام أعلاما تذكره تلك الأعلام الحال التي هو فيها، وعندنا: أن ما لا يجوز أن ينسى ويخفى على المرء لم يعذر صاحبه في نسيانه، وعندنا: أن على قاتل الصيد الكفارة، عمدًا قتله أو خطأ، وليس تخلو الآية من أن تكون أوجبت الكفارة على المتعمد للقتل الناسي لإحرامه؛ كما قال الحسن ومجاهد، أو تكون أوجبت الكفارة على المتعمد للقتل، ذاكرًا لإحرامه؛ فإن كان وجب أن يكفر من قتله عامدًا لقتله، ناسيا لإحرامه - فإن الذي يقتله عامدًا لقتله ذاكرًا لإحرامه أولى بالكفارة؛ لأن ذنبه أعظم، وجرمه أكبر.
فَإِنْ قِيلَ: إنكم لا توجبون الكفارة على قاتل النفس عمدًا؛ فما منع أن يكون قتل الصيد مثل ذلك وإن كان حرمته أعظم كما؟! قيل: إن قاتل النفس عمدًا - وإن كنا لم نوجب عليه الكفارة - فقد أوجبنا عليه القصاص، وهو أغلظ من الكفارة، وقاتل الصيد عامدًا لقتله ذاكرًا لإحرامه، لو أزلنا عنه الكفارة - فلا شيء عليه سواها؛ لذلك اختلفا. ثم نقول: إنا عرفنا الحكم في قتل الصيد عمدًا بالكتاب، والحكمُ في قتل الصيد في الخطأ إنما يعرف بغيره، وليس في ذكر الحكم وبيانه في حالٍ دليل نفيه في حال أخرى؛ دلنا على هذا مسائل قد ذكرناها فيما تقدم في غير موضع كرهنا إعادتها في هذا الموضع.
ثم تخصيص ذكر الكفارة في قتل العمد يحتمل وجوهًا:
أحدها: أن الكفارة في قتل النفس إنما ذكرت في قتل الخطأ ولم تذكر في قتل العمد؛ ليعلم: أنها إذا أوجبت في العمد فهي في الخطأ أوجب.
والثاني: أن الكفارة إنما وجبت بجنايته على صيد آمن به في الحرم، وكل ذي أمانة إذا أتلف الأمانة لزمه الغرم، عمدًا كان إتلافه أو خطأ؛ فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.
والثالث: أن ذكر التخيير في حال الضرورة يخرج مخرج التوسيع والتخفيف على