فَإِنْ قِيلَ: إن الهدى يذبح في الحرم؛ لمنفعة أهل الحرم به، ويتصدق به عليهم؛ فعلى ذلك الإطعام يجب أن يطعم أهل الحرم؛ لأنه جعل لمنفعة لهم.
قيل له: لا خلاف بينهم: أنه لو ذبح الهدي في غير الحرم وتصدق به على أهل الحرم ألا يجوز؛ دل أنه لا لما ذكر، ولكن الهدْي لا تذبح إلا بمكة؛ ألا ترى أن من قال اللَّه - تعالى -: عليه أن يهدي، ليس له أن يذبح إلا بمكة، ولو قال: عليه الإطعام أو الصدقة، له أن يتصدق حيث شاء؛ دل أن الهدْي مخصوص ذبحه بمكة، لا يجوز في غيره، وأما الصدقة فإنها تجوز في الأماكن كلها؛ لذلك افترقا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ)، أي: لينال شدة أمره وألمه؛ كما نال لذته.
وقيل: جزاء ذنبه، وهو الكفارة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ) إذا تاب ورجع عما استحل من قتل الصيد؛ وهو كقوله - تعالى - (إِن يَنتهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَد سَلَفَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ): أي: من عاد إلى
استحلال الصيد في الحرم ينتقم اللَّه منه في النار. ويحتمل: من عاد إلى قتل الصيد ينتقم اللَّه منه بالكفارة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)، أي: لا يعجزه شيء، ويقال: عزيز، أي. كل عز عند عزه ذل. وغني، أي: كل غني عند غناه فقر، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦) جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا).
أخبر اللَّه - تعالى - أن صيد البحر وطعامه حلال للمحرم، ثم اختلف أهل التأويل في تأويله.
قَالَ بَعْضُهُمْ: " صيده: ما صيد، وطعامه: ما قذف في البحر "، كذلك روي عن عمر -