(لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) كأنه قال: إن القليل من الطيب خير من الكثير من الخبيث، واللَّه أعلم.
والثاني: أنهم رغبوا في عبادة أُولَئِكَ من الترهب والاعتزال عن الناس؛ لدفع أذى أنفسهم عنهم، وكثرة ما كانوا يتحملون من الشدائد والمشقة؛ فرغبوا في ذلك، وهموا على ذلك، على ما ذكر في القصة عن بعض أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أنهم هموا أن يترهبوا ويعتزلوا من الناس؛ فقال: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) أن العمل القليل مع أصل طيب خير من الكثير مع خبث الأصل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاتَّقُوا اللَّهَ) في مخالفة أمره ونهيه (يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) فيه دلالة أن اللَّه لا يخاطب أحدًا إلا من كمل عقله وتم، وباللَّه العصمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ... (١٠١)
يحتمل: أن يكون النهي عن السؤال عن أشياء خرج عن أسئلة كانت منهم لم يكن لهم حاجة إليها؛ فنهوا عن ذلك إلى أن يقع لهم الحاجة فعند ذلك يسألون، كأنهم سألوه عن البيان والإيضاح لهم قبل أن يحتاجوا إليه؛ ألا ترى أنه قال: (وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ. . .) الآية.
ويحتمل: أن يكون خرج النهي عن السؤال ابتداء، على غير تقدم سؤال كان منهم، ولكن نهوا عن السؤال عنها.
ثم يحتمل بعد هذا: أن كان منهم على ابتداء سؤال، كان من أهل النفاق يسألون سؤال تعنت لا سؤال استرشاد، يسألون منه آيات بعد ما ظهرت لهم، وثبت عندهم الحجج، وعرفوا أنه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. وإن كان النهي للمؤمنين فهو ما ذكرنا من سؤال البيان قبل وقوع الحاجة إليه.