المرحلة الأولى: التفسير في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -:
نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين، وعلى أساليب بلاغة العرب وبيانهم، فكانوا يفهمونه، ويدركون أغراضه ومراميه، وإن تفاوتوا في الفهم، والإدراك؛ تبعًا لاختلاف درجاتهم العلمية، ومواهبهم العقلية، فقد قال ابن قتيبة: " إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض ".
ومعنى هذا أن هناك آيات تشكل معانيها على الصحابة، وكان الصحابة - رضوان الله عليهم - يسألون الرسول ليوضح لهم موضع الإشكال، فمن هنا بذرت البذور الأولى لعلم التفسير.
والحق أن التفسير في هذه المرحلة يتميز بسمات لم تتوافر لأي مرحلة تالية، ومن أبرز هذه السمات:
أن لجميع الأقوال التفسيرية التي شهدتها هذه المرحلة قوة النص المفسَّر، أو هي الوجه الآخر له، إذا صح هذا التعبير.
إن تفسير القرآن في هذا المرحلة كان من عند اللَّه تبارك وتعالى، فهو سبحانه أول مبين ومفسر لكتابه؛ لأنه الأعلم به وبمراد نفسه من غيره، ولأن أصدق الحديث كتاب الله تعالى؛ ولذلك يقول اللَّه تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}، ويقول سبحانه: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}، ويقول جل وعلا: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩).
وتفسير القرآن في هذه المرحلة -أيضًا- كان موكولاً إلى الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وكان طبيعيًّا أن يفهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - القرآن جملة وتفصيلاً، فهم ظاهره وباطنه، ومجمله ومفصله، ومقيده ومطلقه، ومحكمه ومتشابهه، وخاصه وعامه، وأمره ونهيه، وغريبه ومشكله، وسائر ما يتعلق بالأحكام والاعتقاد والتكاليف. . . إلخ.
وقد أعطى القرآن الكريم للرسول الحق في عملية التفسير، فقد قال اللَّه جل وعلا:
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، وقال سبحانه: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١).