وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي).
قوله: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ): أي: تصور وتقدر (مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) كان من عيسى التصوير والتقدير، وإلا كان التخليق من اللَّه في الحقيقة؛ لأنه هو المنفرد به دون الخلق، غير أنه أجرى ذلك على يدي عيسى؛ ليكون له آية لصدقه ونبوته، وعلى ذلك الآيات التي يأتي بها الرسل، ليست الرسل يأتون بها في الحقيقة، بل كان اللَّه هو الآتي بها، والمنشئ تلك الآيات حقيقة، لكنه يجريها على أيدي الرسل؛ لتكون آيات صدقهم، ودلالات رسالتهم، فأما أن يأتي الرسل بالآيات والحجج من عند أنفسهم فلا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تخلُقُ) ذكر التخليق؛ لما تسمي العرب تصوير الشيء وتقديره: تخليقًا؛ فعلى ذلك خرج الخطاب، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) قيل: الأكمه: الذي يولد أعمى، وأما الأعمى فهو الذي يذهب بصره بعد ما كان بصيرًا.
وقيل الأكمه: هو الذي لا حدقة له، وهو ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (١١١)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ) والحواريون: قيل: هم خواصه، وكذلك أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هم حواريوه، وقد ذكرنا هذا في سورة آل عمران والاختلاف فيه.
ثم قوله: (أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ) يحتمل الوحي إليهم وجهين:
أحدهما: أنه أوحى إلى رسوله عيسى - عليه السلام - فنسب ذلك إليهم وأضيف؛ لأن الوحي إلى عيسى كالوحي إليهم؛ كقوله - تعالى -: (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) وما أنزل علينا، وما أنزل على كذا ما أنزل إلى رسول الله كالمنزل إلينا؛ فعلى ذلك الوحي إلى عيسى هو كالوحي إليهم.
والثاني: أوحى إليهم وحي إلهام؛ كقوله (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) الآية،