كان فرحًا عند الرحمة والنعمة، وعند الشدة والبلاء كفورًا حزينا؛ كقوله - تعالى -: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ). ومنهم: من كان لا يخضع ولا يتضرع في الأحوال كلها، لا عند الشدة والبلاء، ولا عند الرخاء والنعمة، ويقولون: إن مثل هذا يصيب غيرنا، وقد كان أصاب آباءنا، وهم، كانوا أهل الخير والصلاح؛ وهو كقوله؛ (وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ): كانوا على أحوال مختلفة، ومنازل متفرقة؛ فيشبه أن يكون قوله: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ): في القوم الذين لم يتضرعوا عند إصابتهم الشدائد والبلايا.
وجائز أن يكونوا تضرعوا عند حلول الشدائد، فإذا انقطع ذلك وارتفع، عادوا إلى ما كانوا من قبل؛ كقوله: (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)؛ ويشبه أن يكون قوله: (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)، وقوله: (دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ): فيما بينهم وبين ربهم، وهذا فيما بينهم، وبين الرسل؛ لأن الرسل كانوا يدعونهم إلى أن يقروا، ويصدقوهم فيما يقولون لهم ويخبرون، فتكبروا عليهم، وأقروا لله وتضرعوا إليه، تكبروا عليهم ولم يتكبروا على اللَّه.
ويحتمل أن يكون قوله: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا): في الأمم السالفة إخبار منه أنهم لم يتضرعوا.
ويحتمل قوله أيضًا: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) وجهين:
أحدهما: أنهم لم يتضرعوا إذ جاءهم بأس اللَّه، ولكن عاندوا وثبتوا على ما كانوا عليه.
والثاني: تضرعوا عند نزول بأسه؛ لكن إذا ذهب ذلك وزال عادوا إلى ما كانوا، فيصير كأنه قال: فلولا لزموا التضرع إذ جاءهم بأسنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
أي: زين لهم صنيعهم الذي صنعوا، ويقولون: إن هذا كان يصيب أهل الخير، ويصيب آباءنا وهم كانوا أهل خير وصلاح.