قال الكلبي: في خفض وسكون، وتضرع إلى اللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
قال أبو بكر (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)، أي: لا نوجه الشكر إلى غيرك، والشكر - هاهنا -: هو التوحيد، أي: لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الموحدين لك من بعد؛ لأنهم كانوا يوحدون اللَّه في ذلك الوقت، لكنهم إذا نجوا من ذلك أشركوا غيره في ألوهيته.
ألا ترى أنه قال: (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) بعد علمكم أن الأصنام التي تعبدونها لم تملك الشفاعة لكم، ولا الزلفى إلى اللَّه؛ يذكر سفههم في عبادتهم الأوثان على علم منهم أنها لا تشفع لهم، ولا تملك دفع شيء عنهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ... (٦٥)
اختلف في نزول الآية فيمن نزلت؟
قَالَ بَعْضُهُمْ: نزلت في مشركي العرب - وهو قول أبي بكر الأصم - لأنها نزلت على أثر آيات نزلت في أهل الشرك، من ذلك قوله: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ).
وقوله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ. . .) الآية.
وقوله: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً. . .)، إلى قوله - تعالى -: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ): هذه الآيات كلها نزلت في أهل الشرك، فهذه كذلك نزلت فيهم؛ لأنها ذكرت على أثرها؛ ولأن سورة الأنعام نزل أكثرها في محاجة أهل الشرك، إلا آيات منها نزلت في أهل الكتاب، وسورة المائدة نزل أكثرها في محاجة أهل الكتاب؛ لأنه يذكر فيها: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ).
ومنهم من يقول: نزلت في أهل الإسلام، وهو قول أبي بن كعب، وقال: هن أربع، فجاء منهن ثنتان بعد وفاة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ألبسهم شيعًا، وأذاق بعضهم بأس