يشبه أن يكون قوله: (يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أن يكون، أي: يكفرون بها ويستهزئون بها؛ كما قال في سورة النساء: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا)، فيكون خوضهم في الآيات الكفر بها والاستهزاء بها، ويكون قوله - تعالى -: (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ)، أي: لا تقعد معهم؛ كما قال: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ).
يحتمل: النهي عن القعود معهم على ما ذكرنا من قوله: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ).
ويحتمل الإعراض: الصفح عنهم وترك المجازاة لمساويهم؛ كقوله - تعالى -: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ)؛ أو كقوله تعالى: (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا)، وفيه الأمر بالتبليغ فينهى عن القعود معهم والأمر بالتبليغ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ومعناه - واللَّه أعلم -: أن الشيطان إذا أنساك القعود معهم فلا تقعد بعد ذكر الذكرى، ومعنى النهي بعد ما أنساه الشيطان، أي: لا تكن بالمحل الذي يجد الشيطان إليك سبيلا في ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩)
قيل فيه رخصه الجلوس معهم؛ وهو كقوله: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)، ثم نسخ ذلك بقوله - تعالى -: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)، وكان النهي عن مجالستهم ليس للجلوس نفسه، ولكن ما ذكرنا من خوضهم في آيات اللَّه بالاستهزاء بها والكفر بها هو الذي كان يحملهم على ذلك، ليس ألا يجوز أن تجالسهم، وكذلك ما نهانا أن نسبهم ليس ألا يجوز لنا أن نسبهم، ولكن لما كان سبُّنَا إياهم هو الذي يحملهم على سبِّ اللَّه.