يحتمل ألا تكافئهم على أذاهم؛ ولكن اصبر، ويحتمل الأمر بالإعراض عنهم: النهي عن قتالهم؛ كأنه نهى عن قتالهم في وقت.
ويحتمل أن تكون الآية في قوم خاصة، قال: أعرض عنهم؛ فإنهم لا يؤمنون، ولا تقم عليهم الآيات والحجج؛ لما علم منهم أنهم لا يؤمنون، ثم على ما أمر نبيه بالإعراض عنهم أمر المؤمنين -أيضًا- بالإعراض عنهم، وهو قوله: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ... (١٠٧)
قالت المعتزلة: المشيئة هاهنا مشيئة قهر وجبر، أي: لو شاء اللَّه لأعجزهم ومنعهم عن الشرك على دفع الابتلاء والامتحان.
وأما عندنا: المشيئة: مشيئة اختيار، والطوع على قيام الابتلاء والامتحان، وبعد: فإن مشيئة الجبر هي خلقه، وقد كانوا جميعًا غير مشركين بالخلقة؛ فلا معنى لتأويلهم الذي تأولوا في المشيئة.
ثم لا يحتمل أن يكون قوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا) مشيئة قهر وجبر؛ لأنه لا يكون في حال الجبر والقهر إيمان ولا كفر؛ إنما يكون ذلك في حال الاختيار والطوع؛ لأن الجبر والقهر يمنع من أن يكون له فعل حقيقة؛ بل يتحول الفعل عنه ويسقط، ويثبت للذي جبر وقهر؛ وذلك بعيد؛ فدل أنه ما ذكرنا، وباللَّه الرشاد.
وفي قوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا) دلالة أن طريق الإسلام الإفضال والإنعام، ولله أن يخص به من كان أهلا للإفضال والإنعام باللطائف التي عنده، ويحرم بعضًا ذلك، وله أن يجعل بعضهم أهلا لذلك؛ إفضالا منه، ولا يجعل البعض؛ عدلا منه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).
أي: لم يؤخذ عليك حفظ أعمالهم، أو لا تسأل أنت عن صنيعهم؛ إنما عليك التبليغ، وهو كقوله: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) وكقوله - تعالى -: (فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ)، ونحوه.